الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٧ مساءً

بين الحزب الديني والميليشيا الدينية، هناك فرق

نبيل سبيع
الاثنين ، ٠٢ مارس ٢٠١٥ الساعة ١٠:٢٤ صباحاً
حين كان قوياً في السلطة وحاضراً بقوة في البلد، وحتى في ذروة عدائه واقتتاله مع جماعة الحوثي، لم أسمع تصريحاً واحداً من حزب الإصلاح يضغط أو حتى يطالب مجرد مطالبة باعتبار هذه الجماعة جماعة محظورة رغم امتلاكه أسباباً ومبررات كافية لذلك، وعلى رأسها: أنها ميليشيا مسلحة رفعت السلاح في وجه الدولة وتتبنى مشروعاً سياسياً وأيديولوجية مضادين للنظام الجمهوري ككل. على العكس تماماً من ذلك، كان الإصلاح في كل محطة من محطات علاقته المتوترة والمشدودة دوماً مع الحوثي، يطالب هذه الجماعة الميليشاوية بأمرٍ واحد: أن تتحول الى حزب سياسي وتنخرط في العملية السياسية اليمنية.

في المقابل، ماذا فعلت جماعة الحوثي بعد بضعة شهور من استيلائها على العاصمة والدولة وبماذا تلوح اليوم في وجه حزب الإصلاح الذي جنح للسلم معها وتحمّل عنفها ضده وكل بلطجتها عليه وعنجهيتها المفرطة حياله؟ بعدما مارست كل صنوف الترويع والإرهاب والعنف ضد قيادات الإصلاح وأعضائه، هاهي اليوم تلوِّح بـ"حلِّه"!

نستطيع انتقاد الإصلاح في كل مساراته وأدائه، ونستطيع أن نقول فيه ما نشاء. وأنا شخصياً قلتُ فيه الكثير، وسأنتقده في المستقبل كلما أخطأ وحيثما أخطأ، لكنْ ليسمح لي كل إصلاحي وكل إصلاحية أن أهمس في آذانهم بهذه الكلمات:
الميليشيا قد تمضي قدماً في بلطجتها وإرهابها، لكنها لن تقضي عليكم كأفراد وكيان سياسي. وقد تنجح هذه الرعونة الخالصة المسماة جماعة "أنصار الله" في حلّكم كحزب سياسي، لكنها لن تلغيكم من الوجود حتى وإن مكثتْ على صدورنا مائة عام. لا تخافوا من هذه القوة العارية من القيم والمبادئ والأخلاق والعقل والضمير! ولا تدفعنكم بلطجتها وغطرستها الى التخلّي عن الخيار السياسي السلمي الذي أعلنتم مراراً وتكراراً تمسككم به، وتمسكتم به فعلاً طيلة الشهور الماضية رغم كل الضغوط والتي مورست ضدكم واستهدفت ركلكم بقوة خارج مربع السياسة الى مربع الميليشيات الطائفية المسلحة!

وثقوا أن التاريخ اليمني لن يسجل عليكم الأخطاء والنقاط القاتمة إلا بقدرما سيسجل صوابكم ونقاطكم المضيئة. ومهما كانت أخطاؤكم التي اقترفتموها في حق "الحوثيين"، فإنني أستطيع الجزم أنه- وبصرف النظر عن أي ملاحظات أو مآخذ عليكم في علاقتكم بهذه الجماعة- سيتذكر لصالحكم هذه المفارقة الكبيرة والهامة:
حين كان الإصلاح قوياً في السلطة وحاضراً في عموم البلاد والحوثي ضعيفاً في المعارضة ومنكفئاً على نفسه في جيوب صغيرة بصعدة، طالب الإصلاحيون الحوثيين بالتحول من ميليشيا الى حزب سياسي. وبعدما قويت جماعة الحوثي وتوسعت في البلاد واستولت على السلطة، كان أول شيء قاله الحوثيون للإصلاحيين: سنحلّ حزبكم!

يالها من مفارقة تاريخية! إنها مفارقة تقول لنا بأعلى صوت وأوضح عبارة أن:
الأحزاب السياسية مهما بلغت مساوئها وأخطائها ستظل أحزاباً سياسية تطمح لجرّ خصومها الى مربع السياسة وتحثهم على التحول الى أحزاب سياسية مثلها حتى وإنْ كانت في الأصل جماعات دينية تعبر عن نفسها أحياناً بأشكال ميليشاوية. وفي المقابل، فإن الجماعة الدينية التي تتأسس كميليشيا طائفية مسلحة تبذل كل مافي وسعها لدفع خصومها خارج مربعات السياسة وتجبرهم إجباراً على التحول من أحزاب سياسية الى ميليشيات طائفية مسلحة على صورتها تماماً.

وحين تدبّ الحياة والإحساس بالقوة في روح وجسد الميليشيا الطائفية، فإنها لاتفتح فمها في وجوه الجميع سوى بالإهانات وتهديدات الموت والشطب والإلغاء، ولاتفتح أمامهم آفاقاً سياسية ووعوداً بالعيش المشترك بل قبوراً ومستنقعات دم.

من صفحته على"الفيس بوك"