الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٧ مساءً

حرب «داعش» حضارية وليست دينية؟!

عارف أبو حاتم
الاثنين ، ٠٢ مارس ٢٠١٥ الساعة ١٢:٢٥ مساءً
ما فعلته “داعش” من دمار لمتاحف شمال العراق هو حرب حضارية بامتياز، ولا علاقة لذلك الفعل بالإسلام أو الفكر الجهادي، هذه حضارة تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، أي أن عمرها الآن يتجاوز 11 ألف سنة؛ وذاك يعني أن كل العباد والزهّاد والجهاديين مرّوا عليها ولم يمسّوها بسوء.

حتى مسألة تكسيرها وتدميرها بدوافع دينية تضع علامات استفهام حول كل الأنبياء المؤمنين والصالحين الذين مرّوا من هذه الأرض أو عاشوا فيها خلال كل الفترات الماضية، هل كان إيمانهم ناقصاً حتى غفلوا عن تحطيم تلك الآثار، هل ألهتهم الدنيا عن تعبد الله في تحطيمها، بدءاً من نبي الله إبراهيم إلى موسى وعيسى ومحمد، ثم الخلفاء والعلماء إلى دعاة السلفية..؟!.
هذه أحجار وتماثيل أثرية ليس هناك من يذهب لعبادتها، بل لزيارة آثار أقوام مرّوا من هنا قبل آلاف السنين، فهي دليل قاطع على عمق حضاري وتسامح ديني وتجاور مذهبي.

اتفق تماماً مع مديرة منظمة اليونسكو “إيرينا بوكوفا” التي قالت: “إن الاعتداء هو أكبر بكثير من أن يكون مجرد مأساة ثقافية” صحيح أنها نظرت إلى البعد الطائفي العدواني، لكنّي سأنظر إلى ما هو أبعد من المأساة؛ فهذه حرب حضارية بامتياز.

ولا يخالجني شك أن ما دمّرته “داعش” هو مجسّمات شبيهة بعد نقل الأصل إلى متاحف أمراء الحروب المختفين في بلدانهم؛ لا أشك بل أجزم أن جزءاً كبيراً من محتويات متحف الموصل التاريخي قد غادره إلى طهران وواشنطن وتل أبيب..!!.

ليس هناك جهاد تحمله “داعش” ولا دين تعتنقه، بل عمل استخباراتي له أوجه عديدة، وأذرع متعددة.
تذكّروا جيّداً الساعات التي وصلت فيها أقدام “الفاتحين” الأمريكيين إلى العراق في 2003م فقد توجّهوا فوراً إلى المتاحف قبل البنك المركزي ووزارة النفط، وهي التي كان الرئيس العراقي صدام حسين يباهي بها الشرق والغرب ويوليها رعاية وعناية قلّ نظيرها في العالم.

كانت الشاحنات لا تتوقف، تعبر من العراق إلى الأردن فإسرائيل؛ هي حرب حضارية لا سواها، كانت المأساة مكتملة والبشاعة في أوضح صورها، وأولئك الملتحون يهدمون بمطارقهم المتصلبة كعقولهم والقاسية كقلوبهم تمثال “الثور المجنّح” وهو رمز الحضارة الآشورية التي عاشت في القرن التاسع قبل الميلاد، ثور ضخم طوله 4.42 متر ووزنه 30 طناً من الأحجار المقاومة لتضاريس الطبيعة، له جسم ثور وجناحا نسر ووجه إنسان.

كانت الحضارة الآشورية ترى أن ذلك يرمز إلى الإنسان الآشوري في محاوره الأربعة: “القوة والحكمة والشجاعة والسمو” ونشرت تماثيل حضارتها في مدينتي “نينوى” وهي مدينة نبي الله يونس و“آشور” وكلاهما في شمال غرب العراق.
إيمان “داعش” العميق قادها أيضاً إلى إحراق مكتبة الموصل التاريخية، وهدم سور الموصل وهو رمز المدينة وقيمتها، هذا الجهاد “المخابراتي” يعيد إلى الأذهان ما فعلته حركة إجرامية أخرى هي “طالبان” حين دمّرت تماثيل «بوذا» في مدينة باميان الأفغانية في فبراير 2001م.

"الجمهورية نت"