الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٣ مساءً

مؤتمر الرياض لحل الازمة اليمنية يواجه صعوبات؟!

عبد الباري عطوان
الثلاثاء ، ٢٤ مارس ٢٠١٥ الساعة ١١:٠٤ صباحاً
يتزايد منسوب القلق لدى دول مجلس التعاون الخليجي، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص تجاه تمدد “التحالف الحوثي” المتسارع في اليمن، وباتت هذه المسألة تشكل الاولوية القصوى، وتتقدم على “الدولة الاسلامية” لانها تشكل تهديدا امنيا مباشرا لدول المجلس بسبب الدعم الايراني الواضح والعلني في فنائها الاقليمي.

البيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء السعودي الذي ترأسه الملك سلمان بن عبد العزيز (الاثنين) عبر عن هذا القلق عندما قال “تجدد السعودية وقوفها الى جانب الشرعية والشعب اليمني بامكانياتها كافة، واكدت على اهمية الاستجابة العاجلة من قبل كل الاطياف السياسية في اليمن للمشاركة في المؤتمر الذي سيتم عقده تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي في الرياض.

اللافت حتى الآن عدة امور اساسية تؤكد صعوبة انعقاد هذا المؤتمر وحراجة الموقف السعودي الناجم عن تعقيدات الازمة اليمنية وتفرعاتها وتطوراتها المتسارعة:
الاول: ان القيادة السعودية التي وجهت الدعوات لجميع الوان الطيف اليمني لحضور المؤتمر في الرياض (طائف يمني) لم تحدد موعد انعقاده حتى الآن.
الثاني: ان الطرف واللاعب الرئيسي في الازمة اليمنية، اي “التيار الحوثي” لمح على لسان زعيمه السيد عبد الملك الحوثي في خطابه امس الى احتمال مقاطعته للاجتماع لانه يرفض ان يتم تحت مظلة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي لا يعترف بشرعية رئاسته.
الثالث: ان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الحليف الاقوى للحوثيين لم يعلق مطلقا على الدعوة السعودية سلبا او ايجابا، ومن المؤكد انه يتخذ الموقف نفسه الذي اتخذه او سيتخذه حلفاؤه الحوثيون.
الرابع: قوات “التحالف الحوثي” الصالحي (نسبة الى عبد الله صالح) تواصل تقدمها جنوبا، فبعد استيلائها على معظم مدينة تعز ومطارها، استولت على ميناء المخا غربا، وباتت تتحكم في مضيق باب المندب، وستكمل هذا التحكم في حال دخولها مدينة عدن.

***
لا نعرف ما هي الخطوة السعودية المقبلة في حال عدم الاستجابة لدعوتها العاجلة لانعقاد مؤتمر الحوار اليمني في عاصمتها، لكن ما قاله اليوم الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره البريطاني الزائر فيليب هاموند يمكن ان يعطي بعض المؤشرات في هذا الصدد.

الامير الفيصل قال وبلهجة حازمة “اذا لم تحل الازمة اليمنية سلميا ستتخذ دول المنطقة الخطوة اللازمة ضد العدوان”، في اشارة الى سيطرة “انصار الله” الحوثيين على السلطة في صنعاء، واضاف “امن اليمن وامن مجلس التعاون كل لا يتجزأ ونرفض كل ما يترتب على انقلاب الحوثيين ضد التدخل الايراني في اليمن”.

السؤال الذي يطرح نفسه هو عن الخطوات التي يمكن ان تتخذها السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي في حال عدم التوصل الى حل سياسي للازمة اليمنية؟ هل هذا يعني التدخل عسكريا؟

وزير الخارجية اليمني رياض ياسين قال “ان بلاده طالبت دول مجلس التعاون الخليجي بتدخل قوات “درع الجزيرة” لحماية المصالح الحيوية وكذلك الحدود قبل ان يتمدد الحوثيون ويسقطون كل اليمن”، فهل ستلبي السعودية ودول الخليج هذا الطلب؟

قوات “درع الجزيرة” المكونة من وحدات تمثل كل دول الخليج تدخلت مرة واحدة منذ تأسيسها عام 1982، اي قبل 29 عاما، وذلك في البحرين عام 2011 بعد تزايد زخم الانتفاضة البحرينية المطالبة بالاصلاح حيث ارسلت السعودية حوالي 1500 جندي الى جانب بضعة مئات من دولة الامارات، ولكن البحرين عضو في مجلس التعاون، اما اليمن فليست كذلك، ومن المفارقة ان السعودية هي التي عارضت ضد انضمامها الى المجلس الخليجي لاسباب ليس هنا مجال سردها.

لا شك ان السعودية تملك جيشا قويا وسلاح طيران حديثا، ولكن هذا الجيش احتاج الى ثلاثة اشهر لاخراج قوات الحوثيين البدائية التسليح، من الجنوب السعودي في محافظتي جيزان ونجران اللتين احتلتهما لوعورة المنطقة وتضاريسها الجبلية، فكم سيحتاج الوقت لاخراج الحوثيين من كل اليمن؟ وما هو حجم التكلفة المادية والبشرية؟

الخطر الحقيقي الزاحف في اليمن ليس “انصار الله” الحوثيين وانما الرئيس السابق علي عبد الله صالح والقوات اليمنية الموالية له ايضا، فهذا الرجل هو العقل المدبر، والسياسي الخبير المحنك، الذي ينطلق من عقلية ثأرية للانتقام من كل خصومه الذين اطاحوا بحكمه، ونجح في ذلك فعلا، ولو جزئيا، فقد قضى على حزب الاصلاح الاخواني وخصومه من آل الاحمر (اللواء محسن الاحمر الذي لجأ الى السعودية واسرة الشيخ عبد الله الاحمر شيخ قبيلة حاشد) ولم يتبق له غير الاطاحة بالرئيس هادي الذي انقلب عليه وهرب الى عدن بعد ان وضعه الحوثيون تحت الاقامة الجبرية.
***
من المفارقة ان الرئيس صالح انتصر على الانفصاليين في حرب 1994 بمساعدة خصومه الحاليين، اي حزب الاصلاح الاسلامي، والرئيس هادي الذي قاد الجيش اليمني في حينها، والآن يريد الفوز في الحرب الحالية للانتقام من خصومه الجدد، واستعادة السلطة بمساعدة الاسلاميين، ولكن الحوثيين الشيعية هذه المرة، والمفارقة الاخرى ان السعودية كانت في الحربين تقف في المعسكر المعادي له وتدعمه سياسيا وماليا، وخسرت الحرب الاولى، فهل ستربح الثانية؟

تحالف الرئيس صالح دخل عدن في حرب الانفصال بعد قتال شرس، وانطلق منها الى قاعدة “العند” في الشرق، ونفذ حلفاؤه من الاسلاميين المتشددين عدة عمليات انتحارية ادت الى سقوطها، وانفتحت بعدها ابواب حضرموت والمهرة وباقي المحافظات، فهل سحب امريكا لاكثر من مئتي جندي من هذه القاعدة الاستراتيجية تحسبا لامكانية سقوطها؟ لا ندري، ولكن هذا الانسحاب فأل سيء للرئيس هادي، والتخلي عن الحرب التي كانت تشنها ضد تنظيم “القاعدة” ولو مؤقتا.

استيلاء التحالف “الحوثي الصالحي” على مضيق باب المندب يعني سيطرة ايران وحلفائها على اهم مضيقين في الخليج والبحر الحمر حيث تمر 40 بالمئة من الملاحة الدولية، واكثر من عشرين مليون برميل من النفط يوميا، والتحكم بقناة السويس، القديمة والجديدة التي يريد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بناؤها.

نحن على حافة صراع اقليمي يتحول الى صراع دولي من الصعب التنبؤ بتطوراته.

في الختام، نتوقف عند مقولة الامير سعود الفيصل التي قال فيها “ان امن الخليج من امن اليمن”، فاذا كان الحال كذلك، وهو فعلا كذلك، لماذا اهملت دول الخليج اليمن طوال السنوات الماضية وتركت شعبه يجوع، وهي التي تملك اكثر من ترليوني دولار فوائض مالية مستثمرة في الخارج؟ ولماذا لم تتحرك سياسيا ومبكرا لمنع وصول هذا البلد العزيز وشعبه المضياف الطيب الشهم الى هذه الحالة المزرية من الفوضى الدموية والانحدار نحو الحرب الاهلية؟

"رأي اليوم"