الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٥ صباحاً

هو من عند أنفسكم

نبيل مبارك عجرة
الثلاثاء ، ٢٤ مارس ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٣٥ مساءً
ما إن انكشف المسلمون في أحد حتى تسلل الشك والريب في نفوس ضعاف النفوس، وتسألوا، كيف يكون رسول من عند الله ولم ينصره الله؟ كيف يكون مبلغ عن الخالق وقد حدث له من الأذى ما حدث؟ فيأتي الجواب ممن لا تخفا عليه خافية، ليظهر هذه الآراء المخالفة لميزان الكون، الذي جعله خالقه منذ أن خلقه: {...قل هو من عند أنفسكم} عند أن أخذتم بالأسباب التي توصل إلى النصر انتصرتم، وعند التفريط فيها خذلتم، فإياكم وسوء الظن بالله، فإنه قادر على نصركم، ولكن له أتم الحكمة في ابتلائكم ومصيبتكم {...ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض...}.

لقد اختلطت بنا السبل حتى وصلنا إلى عنجهية ضاقت بها حياتنا عند أن تشاغلنا وشغلنا غيرنا بأمور ومسائل يعدها أهل الحضارات الأخرى من التاريخ البائد لهم الذي لا يريدون أن يتذكروه، عند أن يعادي أهل ملة واحدة بل وقد يكونوا أهل مسلك واحد بعضهم البعض في فهم، وتتضارب أفكارهم في فهم نص من نصوصهم بل قد يصل ذلك الاختلاف إلى تدابر، والتدابر إلى تمني زوال الآخر ويكون ذلك بداية لفنا بعضهم البعض وهو الشيء الذي نهاهم عنه دينهم لو كانوا يعلمون فما ذلك إلا من عند أنفسهم!.
هو من عند أنفسكم عند أن أمركم خالق الأكوان بأن لا تفسدوا في هذا العالم وأن يعم السلام أرجائه حين أن يلتقي بعضكم البعض ليبث السلام ويعم الأمن والأمان، فإن كل دين سماوي يأمر أتباعه بأن يفيض كل منهم على صاحبه ما أوتي من خير، وأن يمد إليه يد السلام والإنعام فعند أن يعين الفرد مجتمعه بما أعطاه الله من ميزة تكون تلك الميزة محفوظة ليس من صاحبها فقط بل من كل من يصله خيرها. من عند أنفسكم لأنكم لم تحكموا العقل الذي جعله الله زينة للإنسان يجعله وزيره في كل مواقفه فإن العقل لا يسلمك إذا استخدمته استخداماً صحيحاً إلا إلى خير، اجعله يملي عليك ولا تملي عليه فأنه لا يحب الجاهلين.

من عند أنفسكم عند أن يمن الله بأهل رأي أو مذهب بخير ونعمه فيستفردوا بها عن غيرهم بل قد يتركوا إخوانهم الذين أعانوهم لكي تصل إليهم تلكم النعمة، يتركوهم فريسة سهلة للمخربين ولا يدرون بأن الدور قد يأت عليها فلا يبقى إلا الباقي سبحانه، وإذا تم شي فقد يأتي عليه النقصان، فإن أهل الفجور والطغيان لا يريدون أحد أن يبقى معهم، وقد يرجع بعضهم البعض اشد نكالا وطغيانا ممن خالفهم.

إن التنوع الذي نريد إخفائه وإظهار لون واحد للحياة والسلوك هو سبب تداعي الأمم الأخرى علينا وذلك أن المراد من التنوع في قوله تعالى: { ... واختلاف ألسنتكم وألوانكم ...} تعدد لغات الإنسان التي خلقها الله وتعدد الألوان لهذا المخلوق فإن الاعتراض على هذا الاختلاف يعتبر من الاعتراض الشاذ الذي ينكره كل عاقل، كذلك اختلاف الأفهام والعقول قد خلقها الله وجعل من سنة الحياة اختلاف تلك العقول والأفهام فلماذا نسلم بالأولى ونعترض ونكافح في كبت الأخرى.