الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٠ مساءً

إعلام السيسي.. على خطى مسيلمة

إحسان الفقيه
الاربعاء ، ٠١ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٥٠ مساءً
وفد عمرو بن العاص في جاهليته إلى مسيلمة، فقال له مسيلمة: ماذا أُنزل على صاحبكم في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أُنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ قال: أنزل عليه {والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.

ففكر مسيلمة ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليَّ مثلها، فقال له عمرو: وما هي؟ فقال مسيلمة: يا وبر يا وبر، إنما أنت إيراد وصدر، وسائرك حفر نقر.

ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟

فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب.

وعلى خطى مسيلمة سار إعلام السيسي، فهو يكذب ثم يكذب، ويعرف أن كذبه مفضوح، ولا يعبأ بأن يستر نفسه بورق التوت.

لم يبالغ الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، حين وصف الإعلام في مصر بأنه إعلام النظام وليس إعلامًا حرًا، وذلك في معرض رده على الإساءة البالغة التي صدرت من إعلاميين مصريين تجاه السعودية والخليج.

الإعلام المصري مُسيَّس باقتدار، ولا يخدم سوى نظام السيسي الذي نجح في صناعة هذه الأذرع الإعلامية.

ويؤسفني أن يكون على أرض مصر (التي نُحب) من هم على مثل هذه الشاكلة، من الذين خانوا أمانة الكلمة.

هذا الإعلام الذي لعب دورًا أساسًا وفاعلًا في التدشين للانقلاب والترويج له، واستخدمه النظام الانقلابي في إحداث هذا الانقسام المجتمعي لتبديد الثورة، بعد أن اتخذ الانقلاب له ظهيرًا شعبيًا.

هذا الإعلام الذي زيف الحقائق وحرض وبرر القتل وإراقة دماء الأبرياء السلميين، في رابعة والنهضة وغيرهما، وبرر كل صور القمع السياسي، وقام بشيطنة الإسلاميين؛ بل وتطاول على الثوابت الدينية.

وليس أدلّ على تبعية الإعلام المصري الصارخة للنظام، من فضيحة التسريبات التي تم بثها في يناير الماضي من مكتب اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي وخازن أسراره.

فاللواء عباس كامل يطلب من المتحدث العسكري “أحمد علي” أن يوعز للإعلاميين التابعين لهم ببدء حملة دفاع عن السيسي على القنوات التلفزيونية، والادعاء بأن هناك حملة تستهدف السيسي، وأن يطلب أحمد علي من الإعلاميين أن يتساءلوا على الشاشات: “إحنا ليه بنعمل في رموزنا كده؟.. فيه حملة بتستهدف المشير السيسي، بيرضيك كدة يا شعب مصر؟”.

أليست هذه الإملاءات دليلًا على أن الإعلام المصري هو إعلام النظام؟

ما من قرار أو تصريح مهما كان شاذًا يصدر من السيسي حتى تجد الإعلام المصري يبادر إلى ممارسة دوره التضليلي والترويجي معًا، فعندما تحدث السيسي عن ثورة دينية على نصوص مقدسة زعم أنها تعادي العالم، انهال هؤلاء الإعلاميون على المعتقدات والثوابت الدينية، وصلت إلى حد اتهام المسائل قطعية الثبوت والدلالة بأنها خرافات.

السيسي يطلق إعلامه على دول الخليج وعلى السعودية بصفة خاصة منذ تولي الملك سلمان؛ فالرجل قد رتب البيت السعودي ولفظ بعض الأشواك، وطهر البيت من العناصر التي كانت تدعم السيسي ويعول هو عليها.

وفي نفس الوقت، أعلنت السعودية أنها لا تعادي تيار الإخوان، وهو ما أعطى للسيسي مؤشرات بأن الخليج قد يتخلى عنه.

ولعلكم تذكرون ما قاله الإعلامي يوسف الحسيني الذي هاجم مِن قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قبل توليه الحكم، حيث قال: “إن وصول الملك سلمان للحكم ليس في صالح مصر”.

فالسيسي وإعلامه يرون أن ثمة تغيرات جوهرية في السياسة السعودية والخليجية، وأن هناك خلافات بين الجانبين في أكثر من ملف:

ففي الوقت الذي تسعى السعودية وحلفاؤها لإقرار الحل السياسي في ليبيا، يريد السيسي الالتفاف حول هذا الرفض العربي والتدخل عسكريًا في ليبيا.

*وفي الوقت الذي تتمسك السعودية بالإطاحة بالأسد، يروج السيسي كما ظهر في قمة شرم الشيخ لضرورة الحل السياسي، الذي يخدم نظيره الديكتاتور السوري.

هو يحتاج إلى الدعم الخليجي وألا يبدو أنه دخل في عزلة عن العرب، لكنه في الوقت نفسه يرى أن التلاقي مع الخليج والسعودية بعد توجهاتها الأخيرة لا يخدم تثبيت عرش نظامه الانقلابي، فربما أراد بإطلاق أذرعه الإعلامية على السعودية والخليج، أن يعيد مستوى الدعم والرعاية إلى سابق عهده.

فاتهام السعودية وقطر برعاية ما أسماه إبراهيم عيسى بالإرهاب وإسهام الخليج في إراقة الدماء على أرض سوريا، لم يكن غريبًا من ذلك الإعلامي الذي ينادي كرئيسه بأن الإطاحة بالأسد ليست هي الحل، وأن الثوار الذين يدافعون عن الثورة السورية إرهابيون.

ولم يكن غريبًا منه أن ينتقد هو وغيره عاصفة الحزم، حيث يعتبر أن الحوثيين جزء من نسيج المجتمع، وليسوا إرهابيين، على عكس ما يقوله بشأن الثوار في مصر وسوريا.

*السيسي يسعى للتقارب مع روسيا وسوريا وإيران على حساب علاقته بالخليج، فهو قد حوّل قبلته لروسيا بعد تثاقل الأمريكان في دعمه؛ بسبب توريطه لها وإحراجها محليًا ودوليًا نظرًا لسياساته القمعية المفضوحة وتسويد ملف حقوق الإنسان في مصر.

فاتجه إلى روسيا لإزعاج أمريكا وتحريك المياه الراكدة وتثاقل وتباطؤ الدعم، ومساندته في حربه ضد التيار الإسلامي.

وأعتقد أنه ليس تحالفًا استراتيجيًا مع روسيا على حساب العلاقة مع أمريكا، فالعلاقة بين واشنطن والقاهرة كما أسماها بعضهم “زواج كاثوليكي”، قد تتأثر، تتعرقل، تفتر، لكنها باقية ببقاء الكيان الإسرائيلي.

السيسي يدعم بشار الأسد، ويسعى لمنع سقوطه؛ لأن السيسي يتزعم الثورة المضادة، ويرغب في القضاء على الثورات التي يخشى من أن تكون رافدًا لثوار مصر، ولا يشغله سوى قمع الإسلاميين، وهي أرضية يلتقي عليها الاثنان.

موقع أسرار عربية تحدث عن رغبة السيسي في دعوة الأسد لقمة شرم الشيخ؛ إلا أن السعودية رفضت، فلم يتم دعوة الأسد أو الائتلاف السوري، لكن السيسي راعي المؤتمر قام بوضع علم سوريا على المقعد السوري الخالي، بخلاف ما حدث في القمتين السابقتين من وضع علم الثورة. الأمر الذي يعني أن السيسي لا يعترف بالثورة السورية وأن الأسد هو ممثل الشعب السوري عنده وزمرته.

لن يقنعنا السيسي بأن عهده الذهبي يرعى حرية الإعلام، ويسمح لعناصره بالتطاول على الأنظمة والحكومات في دول شقيقة طالما قدمت له الدعم.

لقد كان تطاول الصحفي إبراهيم عيسى على وزير الخارجية السعودي، ردًا على قيام الأخير بصفع بوتين خلال قمة شرم الشيخ، حيث اعتبره جزءًا من الأزمة السورية، الأمر الذي أحرج السيسي أمام حليفه الروسي.

وحتى بعد اعتراض الإعلاميين السعوديين على هذه الإساءة أمثال جمال خاشقجي، لم يكفّ إعلاميو مصر ألسنتهم؛ بل سارع الحسيني بالرد الذي يتسم كالعادة بـ “قلّة الأدب”، وتفاخر زورًا وبهتانًا، بحرية الإعلام في بلاده، وما هو بإعلام حر، إنما هو إعلام السيسي يسير على خطى مسيلمة.

"التقرير"