الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥١ مساءً

إنقاذ شعب ليس بعدوان

حبيب العزي
السبت ، ١١ ابريل ٢٠١٥ الساعة ١٠:١٥ مساءً
بينما كانت كل القوى السياسية الوطنية والمخلصة داخل اليمن، تجلس على طاولة الحوار، بذاك الشكل الحضاري الذي رأيناه جميعاً في مؤتمر الحوار الشامل، من أجل الخروج باليمن واليمنيين إلى بر الأمان، كان المخلوع علي صالح يعقد أكبر صفقة خاسرة في حياته مع السيد عبد الملك الحوثي، قضت ببيعه لوطن بأسره "أرضاً وشعباً" لملالي إيران مقابل لا شيء، سوى إشباع روحه الشريرة بالانتقام من اليمنيين، الذين خرجوا إلى الشوارع ذات يوم بكل سلمية وتحضُّر ليقولو له "ارحل"، فلم تعُد صالحاً ولم نعد نطيقك، كما للانتقام من دول الخليج، وبالمقدمة منها المملكة العربية السعودية، التي أجبرته على التنحي عبر مبادرتها الخليجية.

فعل صالح ذلك لأنه ما أحب الوطن يوماً، ولا شعر بالانتماء إليه، وإنما كان ينظر إليه كأحد مقتنياته الشخصية ليس أكثر، ويوم أحس بأنه سيُنتزع منه قسراً، عمَد إلى تسليمه إلى الجماعات الإرهابية لتعبث به وبأمنه، فقط لأنه كان قد بيَّت في نفسه الانتقام، واليوم تُصدِّع رؤوسنا تلك الأبواق الإعلامية، التي تعمل لحسابه، كما لحساب جماعة الكهنوت الحوثية، بتباكيها على الوطن ومقدراته، التي تُستهدف من قِبل العدوان السعودي "على حد وصفهم"، والمسنود بقوى التحالف العربي، ونسيت تلك الأبواق أن من تدافع عنهم، كانوا أول المسيئين للوطن، حين قرروا بيعه لأعدائه والمتربصين به، الذين ما فتئوا يبحثون عن الفرصة تلو الأخرى للانقضاض عليه، وعندما واجهوا رفضاً شعبياً عارماً، قابلوه بمزيد من القمع والقتل والتنكيل، بكل وحشية وهمجية.

إن آخر من يحق لهم الحديث عن الوطنية ومقدرات الوطن، هم أولئك الذين ظلوا ينهبون ثرواته ومقدراته على مدى 33 عاماً، ولم يجنِ منهم الشعب شيئاً سوى المزيد من الفقر، والمزيد من البؤس والحرمان والتخلف، فقد وصلت نسبة الأمية في عهود حكمهم إلى أعلى مستوياتها، فتجاوزت الـ 46% للمتوسط بين الجنسين، وما يزيد عن 65% في صفوف الإناث، وذلك بحسب العديد من التقارير الدولية والمحلية، كما ارتفعت نسبة الفقر إلى 54.5% والبطالة تجاوزت 60%، وذلك وفقاً لأحدث تقرير نشره البنك الدولي، والذي حمل عنوان "مواجهة الحقائق الصعبة في اليمن"، وكل ذلك بسبب سياسات الإفقار الجماعي للشعب، التي كانت تنتهجها تلك العصابات الحاكمة، طوال العقود الماضية.

كما أن تفشي الفساد والمحسوبية، وسرقة المال العام، ضمن منظومة فساد متكاملة، في كل قطاعات الدولة المختلفة، والتي عملت على تحويلها إلى جماعات مافيا منظمة، كل ذلك جعل الكيل يطفح بهذا الشعب الحليم والصابر، فخرج عن السيطرة، في أول فرصة سنحت له بعد ثورة تونس ومصر، واندفع إلى الشوارع بتلقائية في الـ 11 من فبراير 2011م، ليقود ثورة عارمة ضد منظومة الفساد تلك، جعلت من "السلمية" شعاراً لها، فجُوبهت بكل وسائل القمع والتحريض، فقد قُتل شبابها في الميادين والساحات، واختُطِف ناشطوها، واعتُقِلت قياداتها، كما دُمِّرت منازلهم ونهبت محتوياتها، إلى آخر ما هنالك من قائمة انتهاكات لا تنتهي ويعرفها الجميع.

وعندما رضخت كل الأطراف السياسية لحل الأزمة عبر المبادرة الخليجية، ظلت تلك القوى -التي كانت قد أضمرت الشر- تضع العقبات والعراقيل أمام أي حوار، فسدت كل المنافذ والطرقات، ومارست العنف والإرهاب، فقتلت الأبرياء، واجتاحت العاصمة، واستولت على مؤسسات الدولة، كما حاصرت الرئيس والحكومة، ووضعت الجميع رهائن تحت الإقامة الجبرية، وكل ذلك بقوة السلاح والبطش، وها هي اليوم تتوج كل منجزاتها تلك في مدينة عدن، التي تمارس ضدها كل أنواع الفاشية والوحشية والبربرية.

إن التدخل لإنقاذ اليمن واليمنيين عبر عاصفة الحزم، التي جاءت استجابة للمناشدة التي أطلقها اليمنيون لإخوانهم في المملكة والخليج، عبر رئيسهم الشرعي عبد ربه منصور هادي -بعد كل تلك الانتهاكات السالفة الذكر-، لا يُعد عدواناً على اليمن مطلقاً، كما يستميت إعلام الكهنوت الثنائي (صالح والحوثي) أن يصوره للعالم، وإنما كان استجابة طبيعية لاستغاثة شعب محاصر، من قِبل مجموعات إرهابية، لا ترقب في مواطن إلاً ولا ذمة، تسلطت عليه بقوة السلاح، ومارست عليه القمع والإرهاب، وهو الذي كان قد اختار السلمية نهجاً حضارياً لنيل حقوقه، على الرغم من امتلاكه للسلاح، الذي كان يستطيع الدفاع به عن نفسه، لكنه آثر أن يرفع شعار " لإن بسطت إليِّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدِيَ إليك لأقتلك .. إني أخاف الله".