الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٦ صباحاً

كهربة الثورة لشحن بطارية الانقلاب

وائل قنديل
الاربعاء ، ١٥ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٧:٤٧ مساءً
هل أنت سعيد لسماع دوي انفجارات في وكر ذئاب الانقلاب المسمى "مدينة الإنتاج الإعلامي"؟
هل تطربك عناوين من نوعية "أحد العكاشيين اختبأ داخل حمام، وآخر ارتعب لدرجة البلل"؟

أراك منتشياً، وأنت تقرأ على شريط الأخبار، أسفل الشاشة، عناوين مثل "العقاب الثوري تتبنى وتتوعد بالمزيد"، وتتابع بمنتهى الرضا تحليلات وقراءات طروباً، تذهب في اتجاه التسليم بالروايات الأمنية التي تربط بين تفجيرات وانفجارات، ما بعد الدفعة الجديدة من قرارات أولتراس القضاء، إعدام عشرات أُخٓر من المحبوسين ظلماً.

للأسف، لست مستعدا لأشاطرك هذه اللذة التي انتابتك، وأنت تسبح بين سطور بيان ما أطلقوا عليها "حركة العقاب الثوري" الذي يروي قصة العبور إلى برجي الكهرباء المغذيين لمدينة الإنتاج الإعلامي، ويبشر بمرحلة قطع الألسنة، بعد قطع التيار بنجاح.
لا تنس أنك بصدد نظام مقطوع الصلة بأية شرعية أخلاقية، أو سياسية، ويحاول أن يصنع لنفسه شرعية، تلبي طلبات، وتستجيب لتعليمات وأوامر المعسكر الأميركي الصهيوني، المحفوظة في أسفار اليمين العنصري المتطرف، منذ جورج بوش الابن، وأعني استخدام مظلة "الحرب على الإرهاب"، للانقضاض على ثروات وثورات العرب، وهذا بالضرورة يتطلب، قبلا، استدعاء واستحضار هذا الإرهاب، وتسمينه وتغذيته، إن كان موجوداً، واختراعه واستحداثه من عدم، إن لم يكن قائماً.

في مصر، ارجع بالذاكرة إلى صناعة تفجير عند مديرية أمن القاهرة، في بواكير الانقلاب، وما تلاه من قرارات وإجراءات، حرمت وجرمت كل أشكال المعارضة والاعتراض والمناقشة والتلفظ بعبارات من نوعية "حريات تظاهر وحقوق إنسان"، وبعدها توالت حوادث الإرهاب المصنوعة بدقة، بغية استثمارها لاحقاً، قضائياً وسياسياً وتشريعياً. وقبل ذلك، تثبيتاً لزعامة وهمية لشخص فارغ من أية رؤية أو قيمة، أو مشروع سياسي وطني، على الرغم من كل عمليات النفخ والتكبير، التي يمارسها خبراء تجميل عريقون، على شاكلة محمد حسنين هيكل.
عليك أن تسأل نفسك هنا: هل استفاد الحراك المناهض للحكم العسكري من عملية قطع التيار عن معسكر الإعلام الانقلابي؟

من الرابح في هذه العملية التلفزيونية، إلا أولئك الفاشيست الذين يمارسون إرهاباً بالكلمة والميكروفون، لا يقل بشاعة وإجراماً عن إرهاب القنابل والعبوات الناسفة!

تعرف، أيضاً، أن قطار "عاصفة الحزم" انطلق مستهدفا نظاما لا يختلف في "لا شرعيته" أو "لا إنسانيته ولا أخلاقيته" عن النظام الذي سرق السلطة في مصر بقوة السلاح، وتدرك أن أهل العاصفة تحركوا، من دون إخطار سلطة الانقلاب العسكري أو دعوتها، وأن الأخيرة وجدت نفسها واقفة على الرصيف، في وضعية المتفرج، انتظاراً لإشارةٍ ممن يجلسون في كابينة القيادة، كي تقفز في العربات الخلفية، على طريقة "عمال التراحيل"، بحثاً عن رزق، بصرف النظر عن حلاله وحرامه.

يقفزون في "عاصفة الحزم" إن قفزوا، باعتبارها فرصة للتربح والتكسب. لذا، لم يفوتوا الفرصة، وقرروا أن يمرروا وسط غبارها المتصاعد، حزمة كبيرة من أحكام الإعدام، على متهمين أبرياء، بعضهم صدر الحكم عليه باعتباره غائباً، بينما هو يجلس في قفص المحاكمة، وينطق القاضي اسمه، كل جلسة.

يلتحقون بالعاصفة ملتحفين بمنطق الصفقة "الصمت على الإعدامات مقابل إرسال القوات"، بعد أن قرر البرلمان الباكستاني التصويت على عدم المشاركة بقوات برية في الحرب على انقلاب اليمن.

وجدوا العالم يعيد قراءة أوضاع المنطقة العربية، على ضوء النتائج الكارثية لصعود الثورات المضادة فوق عظام الربيع العربي الجريح، فقرروا استدعاء أسطول الابتزاز مرة أخرى: مصر تحارب الإرهاب، وبناء عليه، لا مجال للحديث عن فشل مهين بامتياز، وجرائم ضد الإنسانية تدور على أرض سيناء، ولا صوت يعلو منددا بوحشية النظام القضائي الذي يعدم كما يتنفس، ويشيع العدالة إلى مثواها الأخير، قبل أن يصدر قرارات بالقتل لكل من يعارض السلطة.

للمرة المائة: من يتغذى على "الحرب على الإرهاب" لا يستطيع البقاء على قيد الحياة، من دون مضاعفة محصول الإرهاب الذي زرعه بيده، وصنعه على عينه.

"العربي الجديد"