الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٧ مساءً

مذبحة القديح لن توقف «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»!

د. شمسان بن عبد الله المناعي
الاربعاء ، ٢٧ مايو ٢٠١٥ الساعة ١١:٥٩ صباحاً
بغض النظر عمن يقف وراء التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجدًا، خلال صلاة الجمعة، في بلدة القديح في القطيف شرق السعودية، وأسفر عن مقتل 21 شخصًا وإصابة 123 آخرين، والذي روّع المصلين الآمنين والخاشعين في صلاتهم وأزهق الأرواح البريئة، فإن ما يهمنا أن القصد من هذا العمل الجبان معروف وهو تأجيج الطائفية في السعودية ودول الخليج العربي وشق وحدة الصف في الوقت الذي نحن في أشد الحاجة فيه إلى التماسك لضرورة الحفاظ على جبهة قوية متماسكة في وجه العدو الخارجي، وخصوصا الإيراني. وليست هذه أول مرة تحاول فيها أذناب قوى التخلف والظلام فك نسيج المجتمع السعودي والخليجي المتماسكة، ولن تكون آخرها.
لتعرف إيران التي اتخذت من «داعش» و«القاعدة» أدوات لها لتنفيذ مخططاتها أن السعودية ودول الخليج العربي هي الدول التي يتحقق فيها السلم الاجتماعي والعدالة والمساواة لجميع الطوائف، فلا فرق فيها بين سني وشيعي ولا ومواطن ووافد، فالجميع يحصلون على نفس الحقوق والواجبات. ودول الخليج والسعودية فتحت أبواب الرزق لكل من يريد حياة كريمة، ولذا جاء إليها أجناس من كل دول العالم، بعكس الواقع السياسي في إيران حيث هضمت حقوق طائفة السنة والطوائف الأخرى وهيمنت «الطائفة الفارسية» منذ أن جاءت «ثورتها الطائفية» على الجميع، وأكثر من ذلك علقت المشانق لمن يخالفها في الفكر كما يحدث في عربستان.
ومن نافلة القول أن إيران وحزب الله كانوا من أول الشامتين عندما وقعت عملية تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في منطقة القطيف. لقد سبق وذكرت في مقال سابق في هذه الجريدة أنه بمجرد أن تسكت أصوات مدافع «عاصفة الحزم» سوف تبدأ إيران بتحريك الطابور الخامس. إنها محاولة اليائسين الذين لا يعرفون غير طريق الإرهاب مسلكًا وملجأً، ولذا فإن وحدة الصف مطلوبة في هذه المرحلة، ليس في السعودية فقط وإنما في جميع دول الخليج العربي، ويجب علينا أن نفهم وحدة الصف بشكل إيجابي، وهو أن لا نترك طابور المنافقين ينفث سمومه تحت دعاوى التصالح والحل السياسي يأسًا من تحقيق النصر، لأن التصالح مع الإرهاب دون هزيمته يعنى الرضوخ لقوى التخلف والظلام، ويعنى القبول بالتعايش مع عدو مستبد يقطع رقاب مخالفيه، نرى مثاله الواضح الآن في إيران! ويعنى مزيدًا من الدماء تسفكها يد الإرهاب كي تخرس أصوات الجميع، ويعني التخلي عن مرجعية الإسلام وقيمه الصحيحة لصالح فكر ظلامي يقتات على الدماء وحروب الطوائف والاقتتال الأهلي!
ديننا الحنيف الدين الإسلامي يعلي من قيمة النفس البشرية عند خالقها، إذ يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».
يوم أن هبّت «عاصفة الحزم» لتحرير اليمن احترمنا العالم لأننا بدأنا نأخذ حقوقنا بأيدينا وعرفنا الطريق، بينما عندما كنا نلجأ إلى المؤتمرات الدولية لنطلب السلام والمصالحة أصبحنا كالمتسولين وأضعف الأمم لأنها مؤتمرات لم تتمكن من أن تردع الإرهاب والإرهابيين ولم تضع لهم حدًا، بل ساوت بين الجلاد والضحية ومكنت عدونا من أن يزيد في ظلمه لنا.
ويريدون منا الآن الذهاب إلى جنيف لحل مشكلة اليمن يسوقوننا كالنعاج. ماذا حقق مؤتمرا جنيف 1 و2 لسوريا الجريحة غير مزيد من الذل والهوان للشعب السوري؟ لقد أصبحت جنيف كحائط المبكى كلما حلت أزمة بنا دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مؤتمر فيها.
نحن أمام انفجار كمي هائل للجماعات المتطرفة على شكل أخطبوطي يوحي في الظاهر أننا أمام جماعات مختلفة في آيديولوجيتها ومشاريعها. ولكن في واقع الأمر كل الجماعات المتطرفة دينيًا تشترك في المشروع نفسه والخصائص ذاتها، فهي حاملة لفكر متطرف دوغمائي وأصولي.. فكر في قطيعة مع الواقع والحاضر وضد التاريخ.
ومن ناحية ثقافية قيمية فهو فكر منغلق ماضوي معادٍ للحياة ومظاهرها، لذلك يتوسل العنف والقتل كآليات للوجود. «داعش» و«النصرة» والحوثيون وغيرهم ليسوا جماعات عنف وإرهاب فقط، إنما هم جماعات نتاج فكر مشوش اختلط عندهم الماضي بالحاضر، جماعات فقدت البوصلة الصحيحة إلى الإسلام فراحت تقتل وتدمر وتحرض شبابًا في مقتبل حياتهم.
لم يعرف التاريخ الإسلامي التطرف بهذه الحدة مثلما يحدث في هذا الزمان، فمنهم من يحرض ويكفر المجتمع كما يفعل «الإخوان المسلمون»، ومنهم من يزهق أرواح البشر ويفجر مثل «داعش» و«النصرة».
من الخطأ التحاور مع من اتخذ العنف باسم الدين دستورٍا يسير عليه لإظهار قوة الانتساب إلى الإسلام، ومن اتخذ من «نصرة الشريعة» طريقًا لتكفير المسلمين. من الخطأ الفادح والكبير التهوين من خطر هذه الجماعات، فالحرب العاجلة والشرسة ضدهم حاجة وضرورة، وعندما ننجح في الحل العسكري سيأتي دور المعالجة الثقافية والفكرية حماية لشبابنا ودرء الخطر عنهم وعن سلامة مجتمعاتنا، والبادئ أظلم.

* الشرق الأوسط