الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٠ صباحاً

جنيف سَيفشَل وهذه الأسباب

حبيب العزي
السبت ، ١٣ يونيو ٢٠١٥ الساعة ٠٥:٣٢ مساءً
من المقدمات تتضح النتائج، ومقدمات مؤتمر جنيف اليمني، بدت مرتبكة من اللحظة الأولى لولادته، عندما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، عن ما أسماها بـ "مشاورات جنيف" بشأن الأزمة اليمنية، وحدد الـ 28 من مايو/ أيار المنصرم موعداً لها، ثم ما لبثت أن تأجلت بطلب من الحكومة اليمنية، ليتجدد الحديث عنها بعد المباحثات السرية التي جرت في مسقط، بين الأمريكيين وجماعة الحوثي، الأمر الذي وضع علامات استفهام كبيرة، حول نوايا الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالملف اليمني.

انعكست مظاهر الإرباك الأممي على أطراف الصراع داخل اليمن أيضاً، فتجلى في تصريحات الجانبين المتضاربة والمتناقضة معاً، فالحكومة الشرعية تقول بأنها ذاهبة إلى جنيف لمناقشة آليات تنفيذ القرار 2216، وليس للتحاور مع المتمردين، والحوثيون يقولون بأنهم ذاهبون من أجل إنهاء العدوان، والحوار دون شروط مسبقة.

كل تلك المقدمات المرتبكة، توحي بأن جنيف مهدد بالفشل قبل أن يبدأ، غير أن ثمة أسباباً أخرى كثيرة، تُزيد من احتمالات ذلك الفشل، نذكر منها على سبيل المثال:
السبب الأول: أنه جاء نتاجاً لضغوط أمريكية على الأمم المتحدة وأمينها العام، كما وعلى السعودية ودول الخليج أيضاً، وليس لحاجة اليمنيين إليه، خصوصاً بعد القرار 2216، الذي كان يتوجب على الأمم المتحدة تطبيقه، بدلاً من الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر، فالولايات المتحدة الأمريكية أرادت بهذا المؤتمر مجاملة إيران في اللحظة الراهنة، لانشغالها معها بالاتفاق النووي، الذي تريد السير فيه حتى النهاية، دون أية أجواء أو عراقيل تفسد عليها ذلك.

السبب الثاني: أنه يتعامل مع المشكلة اليمنية على أنها صراع بين طرفين، أو بين أطراف مختلفة، وهذه مغالطة كبيرة هدفها شرعنة الانقلاب الحوثي، لخدمة أجندات لا علاقة لها باليمنيين، ولذلك فهو لن يقدم أية حلول عملية، بقدر ما سيزيد من تعقيدات المشكلة، لأنه لن يبحث عن جذورها وأسبابها الحقيقية.
السبب الثالث: أن الوفد المشارك فيه، والذي يمثل الحكومة والشرعية، قد خلا تماماً من المكونات الرئيسية، ذات التأثير المباشر على الأرض، والتي تملك اتخاذ القرار، ما يعني أن المقاومة الشعبية ستكون في حِلٍ من أي اتفاقات ستنتج عن هذا المؤتمر، ولن تكون معنية بالمسارات السياسية التي تقوم بها الحكومة، كما أنها لن تكون مُلزِمة لها بالضرورة.

السبب الرابع: أن جنيف بلا أفق واضح، ومعالمه ضبابية، ولا يوجد له جدول أعمال مبني على أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان المتحاوران، فالهوة بينهما شاسعة، وكلاهما لم يستطع تحقيق انتصار نوعي على الأرض، يقلب موازين القوى لصالحه، بحيث يستطيع إملاء شروطه على الآخر، ويجبره على القبول بها من واقع القوة والسيطرة، ما يعني أن مخرجات هذا الحوار ستكون هزيلة، ولن تلد سوى جنيناً مشوهاً في أحسن أحوالها.

السبب الخامس والأهم: أن جماعة الحوثي لن تلتزم بأي اتفاقات ستصدر عن هذا المؤتمر أو غيره من المؤتمرات، مثلما لم تلتزم قبل ذلك بكل الاتفاقات التي وقعت عليها، وبمقدمتها وثيقة مخرجات الحوار الوطني، فتاريخها معروف بنقض العهود، والتنصل من كل الاتفاقات، لأن عقيدتها قائمة على ثقافة الفود والنهب والسلب، التي تعتمد العنف والسلاح بشكل همجي وبربري، مع توظيف طائفي وجهوي للوصول إلى غاياتها، وهي ثقافة المليشيا دوماً، والتي لا يمكن أن تتناغم بحال، مع الأطر الديمقراطية المتعارف عليها للوصول إلى السلطة.