الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٦ مساءً

قاطعو رؤوس على الشاشات المصرية

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ٢٥ يونيو ٢٠١٥ الساعة ١٢:١٥ مساءً
حين كانت الشرطة الألمانية توقف مذيع قناة الجزيرة، الزميل أحمد منصور، وتحتجزه في مطار برلين، ثم تنقله، عند نهاية عطلة الأسبوع، إلى السجن، إيذاناً بمثوله أمام النائب العام، ليبت في قضية اعتقاله، وتسليمه إلى الحكومة المصرية، بناء على طلبها، كان نشطاء مواقع الإنترنت يتداولون تسجيلاً مصورا لعمليات تعذيب وحشية، ارتكبها رجال أمن لبنانيون، بحق سجناء موقوفين في سجن رومية اللبناني، منذ نحو عقد، دونما محاكمة.

ومع اتخاذ النائب العام الألماني، صبيحة اليوم التالي، قراراً بإطلاق سراح منصور، حتى قبل أن يلتقيه، ومن غير أن يوجه إليه أي سؤال، بدأت الصحف ومنظمات المجتمع المدني هناك تتقصى الحقيقة في ما قد يكون فضيحة سياسية، تواطأت فيها حكومة أنجيلا ميركل، أو بعض أركانها، مع نظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للإيقاع بصحافي معارض للانقلاب العسكري.

في المقابل، أي في بيروت، حيث فضيحة تعرية السجناء، وتكسير عظامهم بالعصي الغليظة، وإجبارهم على تقبيل أحذية جلاديهم، خرج وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، ليدين ويدعو إلى المحاسبة، ثم سرعان ما لحق به وزير الداخلية، نهاد المشنوق، ليتوعد بمعاقبة مرتكبي الفعلة المسيئة. ولكن، من دون أن يقدم أي من الرجلين مبرراً لامتناع السلطات اللبنانية عن عرض هؤلاء السجناء على القضاء لمحاكمتهم، على الرغم من مرور سنين طويلة على اعتقالهم، وكذلك من دون أن يتخذ النائب العام اللبناني، قراراً مفاجئاً بالإفراج عنهم.
هل نحن إزاء مقارنة فرضتها المصادفة، بين ألمانيا ولبنان؟
نعم، إنها كذلك، لا بل أوسع جغرافياً بكثير، لأن ألمانيا الخارجة من نير النازية منذ نحو سبعة عقود تمثل، هنا، أوروبا الحديثة، رافعة رايات حقوق الإنسان، في حين ينظر لبنان إلى نفسه، وهو يكابد للتخلص من موروث الحرب الأهلية، على أنه واحة حرية وديمقراطية نسبية، بالقياس إلى حال بلدان عربية شقيقة، سورية مثلاً أو مصر.

واستطراداً في وجوه تعبير هذه المقارنة عن نفسها، سيرى العالم حكومة ميركل ترتعد أمام تفاعلات قضية أحمد منصور، بعدما خرج الرجل، من احتجاز دام ثلاثة أيام، ملوحاً بقبضة النصر، في قلب برلين. لا أحد من بين الألمان كلهم، دعا إلى غض النظر عن هذه القضية، وتركيز الانتباه على مؤامرة خفية، تستهدف الإساءة للسلطة الحاكمة، كما صار إليه الحال في لبنان، حيث تجنب وزير الداخلية أي إشارة إلى دعوات الداعين إلى استقالته، بوصفه صاحب أعلى سلطة مسؤولة عن السجون، لتتسرب، في مرافعات المدافعين عنه، بدلاً من ذلك، رائحة طموحه إلى رئاسة الحكومة، وتنتشر تحليلات تشكك في توقيت نشر التسجيل المصور، ومن يقف وراءه، باعتبار أن له أهدافاً سياسية مغرضة، ينبغي أن تعلو ضرورة إفشالها، على أهمية واقعة التعذيب بحد ذاتها.

ومرة أخرى، ليست ألمانيا ولبنان، هنا، إلا مثال فرضته مصادفة تزامن الحدثين المدويين، وفيه من الشواهد المؤسفة ما يكفي ليفضح تمسك قوى عدة في العالم العربي، سوى تنظيم الدولة الإسلامية، بإرث الوحشية الذي لفظته أوروبا، وما انفكت تحاول الخلاص من ربقته.

هناك، أي في بلدان القارة الأوروبية، تضامن الصحفيون، بالمئات، أفراداً ومؤسسات ونقابات، مع أحمد منصور، في وجه الحكومة الألمانية، فمنعوها من استكمال ما كان يمكن أن يكون صفقة خسيسة مع النظام المصري. وهنا، أي في شبه القارة العربية، فرك كثيرون من أشباه الصحفيين أيديهم فرحاً باعتقاله، وشرع مذيعو التدخل السريع على شاشات الفضائيات المصرية بسن أنيابهم علناً، استعداداً للحظة ترحيل الرجل من برلين إلى القاهرة.

الغريب، والحال هذه، أن ثمة من لا يزال يظن، أو يصدّق، أن هؤلاء، ومعهم جلادو سجن رومية، ينحدرون من طينة مختلفة عن طينة قاطعي الرؤوس في الرقة ونينوى!

"العربي الجديد"