الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٠ صباحاً

أحب بلادي.. وإن لم ينلني سوى عارِها

وئام عبد الملك
الاثنين ، ٠٦ يوليو ٢٠١٥ الساعة ١٠:٥١ مساءً
في عام 1902م كتب شاعر النيل حافظ إبراهيم، إلى صديقه الشاعر اللبناني داود عمون، قصيدة يستحثه فيها العودة إلى مصر، ومُذكرا إياه بالحريات التي ينعمون بها في مصر، ولا يحظون بها في لبنان، وكان مما قاله في تلك القصيدة:
" وخلٍّ أقام بأرض الشام.. فباتت تدل على جارها
و أضْحَتْ تتيه برب القريض.. كتيه البوادي بأشعارها
فشمّر وعجّل إليها المآب.. وخل الشام لأقدارها
فكيف لعمري أطقتَ المقامَ.. بأرضِ تضيق بأحرارِها
أداودُ حسبك أن المعاليَ... تسبُ دارك في دارِها".

ثم رد عليه داود عمون في قصيدة، تجلى فيها صدقه، وعمل على توصيف الواقع آنذاك الذي كانت تعيشه المنطقة العربية، بما شهده من حركات تحرر مختلفة، وشعرنا بصدقه في أمر حبه لوطنه، وكان مما ذكر فيها:
وللدارُ أنطقُ آياتها.. من الروايات وأخبارِها
أطوّفُ في الشرقِ علّي أرى.. بلاداً تطيبُ لأحرارِها
فلم أرَ إلاّ أموراً تسوءُ.. وتصدعُ أكبادَ نظَّارِها
فظلمٌ بتلك وذُلٌّ بهذي.. وجهلٌ مُغشٍّ لأبصارِها
تعقُّ مراحمَ رُعيانها.. وترعي الولاء لجزَّارِها
فلا قولَ إلاّ لجهَّالها.. ولا رأيَ إلاّ لأغرارِها
يدبُّ التراخي على تِرْبها.. ويجري الخمولُ بأنهارِها
منالُ الترّقي بإرغامها.. ومَرجى الفلاحِ بإخبارِها
أهذا الذي أورثتْ أهلَها.. بلادُ العلومِ وأنوارِها
عدمتُ حياتي إذا لم أقِف.. حياتي على نفعِ أقطارِها
أشوقي أحافظُ طالَ السكوتُ.. وتركُ الأمورِ لأقدارِها
أحبُّ بلادي على رُغمها.. وإنْ لم ينْلني سوى عارِها

نعيش اليوم واقعا مأساويا في غير بلد عربي، ليس على يد المحتل، كما كان الوضع في بداية القرن العشرين حين كان مولد القصيدتان آنفتا الذكر، بل على يد الطغاة في بلداننا الذين أمعنوا في قتلنا وذلنا، وحَرَّموا علينا أن نكون أحرارا، فهم لا يرجون منا إلا أن نكون رُكعا سُجدا لهم، لا نعصِ لهم أمرا، فازدادوا بغيا، بعد أن حطمت الشعوب أصنامهم، وثارت الشعوب في وجوههم، فأُصيب أولئك الطغاة بلوثة في عقولهم، جعلتهم لا يتوانون عن الانتقام من شعوبهم بكل ما أمكن من وسائل، وأصبحت البلدان العربية تتقاذفها الأيدي من الداخل والخارج، غير آبهين بمصير الأوطان وشعوبها.
وها نحن اليوم في اليمن أمام طاغية ظن يوما أنَّا كأي شيء، فأراد أن يتمسك بالسلطة ويُحكِم القبضة على مصيرنا، وإن تحالف مع الشيطان ذاته، وهذا ما فعله فلم يتوانَ عن التحالف مع الحوثيين، وأقحموا البلاد في حرب قاسية للغاية.

علي صالح تسولَ بنا في كل البلدان فقيرها وغنيها، وليتنا كنا بلدا فقيرا إلى تلك الدرجة، فثروتنا كبيرة وكفيلة بأن تضمن للمواطنين الحياة الكريمة، لكنهم كانوا يتحسسون جيوبهم وإذا بها منبعجة حتى آخرها، وينظرون في وجوه المقربين ممن هم حولهم وإذا عليها آثار النعمة، ثم يتناسون أن هناك ملايين من المواطنين يكدحون في هذه الحياة، ولا يجد بعضهم قوت يومهم.

وحصل اليمن على مساعدات كثيرة أو قل" صدقات"، وذهب أكثرها إلى جيوبهم التي لا تمتلىء، ثم يمُن علينا صالح وحاشيته وزبانيته، بالمدارس التي بنوها، وأكثرها من الصدقات، وبالطرقات التي عَبَدُوها، وهي من أموالنا والصدقات، أليس واجبا عليه أن يبني اليمن بالثروات التي في الوطن؟ وتلك الثروات التي استغلها لأجل ثروته التي بلغت مليارات، بينما أكثر من نصف الشعب( فقراء).

أما الرئيس هادي، فهو الرئيس الخارج عن نطاق همومنا وكفى، والحوثيون وصالح فمصيبة أعظم، فالجميع يتطلعون إلى الأمام، أما أولئك فإلى الخلف يتحركون، أضاعوا البلد بحماقتهم وأطماعهم، أما الساسة والقادة فهواهم في كل اتجاه وكفى، لا يذهب صوب الوطن، وشوهوا جميعهم وجهك الجميل يا وطن أمام العالم، والوطن والمواطن آخر ما يفكرون فيه، وأصبح المواطن مُهان لأنه يمني، داخل بلده وخارجها، لكننا" نحبك يا( يمن) على رغمك.. وإن لم ينلنا سوى عاركِ".

لقد قدم لنا الوطن الكثير، ولم نقدم له شيئا، ننتظر منه أن يعطينا، دون أن نسعى في أن نبنيه، فسلبيتنا وتعنت أطراف الصراع الآن تهدم حجرا في و وطننا، وكلما ظل الوطن في هذا الوضع المزري، سيكون من الصعب إعادة ما تدمر، وكُلفة الحرب سندفعها جميعا بشكل كارثي أدهى وأمرّ.