الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٤ صباحاً

داعشية التراث.. لا تعني داعشية الإسلام

محمد عزان
الاربعاء ، ٢٢ يوليو ٢٠١٥ الساعة ١٠:٢٥ مساءً
لا ألوم الأستاذ علي البخيتي فيما كتب عن داعيشية جانب مما تضمنه تراثنا الإسلامي (شيعية وسنية) من صور مُوحشة في ظلم الإنسان والعبث بالحياة، ولكنني أدعوه وجميع من يتفق معه إلى مراجعة موضوعية شاملة واستمرار في دراسة أسباب الظاهرة وتفكيك مكوناتها، فقد نتمكن من التعرف على تفسير منطقي لبعض ما خفي علينا أو معرفة الأسباب التي حشرته في تراثنا. وكمدخل لما أرمي إليه ألمح إلى الآتي:
(1) التراث الإسلامي المدوّن على شكل تفسير للقرآن، وروايات للحديث النبوي، وأحكام فقه الدين والحياة، وحكايات التاريخ والسير، مُنتج بشري من فعل الصحابة والتابعين، وأئمة التيارات السياسية، وعلماء المذاهب الفكرية، وأساتذة المدارس الدينية، ومن جاء بعدهم من الرواة والقُصاص، ولا بد أن نحترم جانباً منه كجهد حضاري له معطياته الفكرية والموضوعية.
(2) ذلك التراث مُنتج غير معصوم ولا مقدّس وله آثار إيجابية وأخرى سلبية، ولسنا ملزمين بأن نتفاعل معه في الجانب الديني إلا بمقدار ما يعكس من حقائق ذلك الكتاب الذي لا ريب في أنه هدى للمتقين وذِكرٌ للعالمين فقط. وهذا ما أُلْزم به النبي المبعوث وسائر قومه من الأولين والآخرين، حينما قيل له: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}.
(3) مشكلتنا اليوم في أن أتباع المذاهب الدينية، والتيارات السياسية، والمدارس الفكرية، أضفوا على أسلافهم وتراث أسلافهم قدسية الدين نفسه حينما قرنوهم بالقرآن، من حيث مرجعية التَّشريع ومصدرية الهداية، فصيَّروا بذلك التراث البشري ديناً وورثته الأجيال على أنه كذلك، وأخذت تتحمس لتطبيق ما فيه على أنه دين الله، بما فيه من مسائل ذات وضع خاص أو ظروف معيَّنة، بل وبما في بعضه من أخطاء فادحة وتلفيقات مُريبة تمّ انتاجها في ظل الصراعات السياسية والمذهبية التي كانت ولا تزال على أشدها.
(4) نحن هنا لا ننادي بالتخلي عن التراث أو نبذه أو إلغائه، ولكننا نتطلع إلى أن يظل التعامل معه كما هو في موقعه الطبيعي كمنتج بشري، وإذا رأى أحد من مُنْتجيه أو أتباعهم أنهم يُعبِّرون بذلك عن الدين فمن المؤكد أنهم إنما يعبرون عن فهم له، وكلٌ مكلف بما فهم بعد استعمال الأدوات اللازمة لفهمه، دون أن يفرضوه على من فهم غير فهمهم أو يحاكموا أحداً إلى ما خلصوا إليه.
(5) القصص التي تروى في التاريخ والسير وإن جاءت على شكل روايات وأحاديث، فإنها تحتاج - أكثر من غيرها - لمراجعة دقيقة وفق مناهج البحث العلمي المتطور، القديم منه والحديث؛ لأن كثيراً منها ينبُع من معين الخيالات ويسلك في أودية الخرافات، وقد تلقاه كثير من العطشى فنهلوا منه حتى ارتوا وصار من الصعب عليهم ان يتقيؤوا ما أشبع جوعهم واروى ظمأهم.

* من حائط الكاتب على موقع فيس بوك