الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٤ صباحاً

الله....ليس مع أحد

علي البخيتي
السبت ، ٢٥ يوليو ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٥٦ صباحاً
خلق الله الكون ووضع له نواميس وقوانين وقواعد تنظم حركته وتفاعلاته، وكلما بحثنا وتأملنا واكتشفنا تلك النواميس والقواعد اقتربنا أكثر من تأييد الله لنا، ليس بمعنى انه يتدخل، لكن بمعنى أننا اكتشفنا نواميسه وقواعده التي بنى على أساسها الكون، وتمكنا من استغلال ذلك الفهم في السيطرة على الطبيعة وتجييرها أكثر وبكفاءة أعلى لمصلحتنا.
لم يكن الله مع الأنبياء بمعنى انه يساندهم ويشاركهم في تفاصيل حركتهم مباشرة، والدليل هو ما تعرض له الرسول من مضايقات واعتداءات حتى كُسرت ثنيته "أحد أسنانه"، ولو كان الله معه بالمفهوم المادي المباشر للتَدَخُل ما احتاج الى ان يستمر في دعوته لسنوات طويلة، وكان في قدرة الله أن يمنحه معجزات حسية كفيلة بأن يتبعه الناس في يوم وليلة، بدل كل تلك المعاناة والحروب والضحايا والمآسي، كان بإمكانه ان يجعل في قدرة الرسول نقل جبل من مكانه، أو منزل أو حتى جمل أمام الناس، ولكانوا آمنوا به في لحظتها ولكفى الله الناس شر القتال، كان الله مع الأنبياء بمعنى أنهم الأكثر فهماً في عصرهم لسننه ونواميسه، لذلك تمكنوا من تغيير محيطهم وعصرهم بل ومسار عجلة التاريخ.
الأنبياء عباقرة زمانهم، جيروا ذكائهم لصالح البشرية، لكن من ورثهم سواء من علماء أو أصحاب أو أقارب استغلوا تلك المكانة وحولوا الدين وأفكار النبوة لصالحهم، لذلك نلاحظ وعند دراستنا لتاريخ الأديان أن الخلافات بدأت بين المحيطين بأي نبي أو رسول فور وفاته، ونشأت المذاهب من تلك اللحظة، بسبب تضارب المصالح لا بسبب تعدد أراء ذلك النبي.
الموروث الديني، سواء السنة النبوية، أو حتى القرآن الكريم، من الصعب الاجماع حولهما وحول أحكامهما، ففي السنة هناك تعدد وتعارض واختلاف كبير بين رواتها، وفي القرآن هناك خلافات حول تأويل آياته، وتعارض بعضها الظاهر، ما أدى الى خلافات ونقاشات لأكثر من 1400 عام دون أن نصل الى حل وإسلام واحد، ومن هنا لا مجال أمامنا الا بفصل الدين عن الدولة، أو على الأقل المختلف فيه، ونضع قوانين وأحكام واضحة لا لبس فيها تنظم التداول والتشارك في السلطة والثروة، لأنه الخلاف الرئيس الذي عصف بنا كمسلمين لأكثر من أربعة عشر قرناً، وان تم تغليفه بقيم ومثل وأهداف عامة وأخلاقية.
لم يكن الله مع اليهودية، ولا مع المسيحية، ولا مع الإسلام، الله مع من يعمل ويجتهد ويبحث ويبني ويفهم سننه في الكون، هو معه بمعنى أنه الأقرب اليه بقدر فهمم واستيعابه لسننه ونواميسه، وليس معه بالتدخل المباشر، ولذلك نلاحظ أن المجتمعات التي استخدمت العقل، وليس النقل، وفهمت سنن الله، نجحت وتطورت واستقرت بغض النظر عن معتقداتها وأديانها، فتركيا وماليزيا واندونيسيا إسلامية، ودول أوربا وأمريكا مسيحية، وإسرائيل يهودية، وهناك دول اغلب سكانها من اتباع ديانات غير سماوية أو بلا دين، ومع ذلك نجحت وارتقت وتطورت.
وبالتالي لن نتطور الا بما تطور به من غيرنا، من مسلمين مسيحيين ويهود وغير متدينين، وليس بالعودة الى التراث الديني ونبشه والاختلاف حوله مجدداً لقرون قادمة، انما بالقبول ببعضنا كما نحن، ونصنع قواعد وقوانين وتسويات سياسية مرحلية تخرجنا من الأزمات والحروب التي تعصف بوطننا، ثم نشرع في صياغة عقد اجتماعي ينظم شؤون دولتنا التي نتطلع اليها، دولة المواطنة المتساوية، والحقوق والحريات للجميع، الدولة التي يتمكن فيها أي مواطن من الوصول الى السلطة، ولنترك قناعاتنا الدينية الخاصة لنطبقها في بيوتنا ومجالسنا ومساجدنا الخاصة، ولا نحولها الى شأن عام نختلف ونتقاتل حوله، فالدين لله، بمعنى أنه علاقة بينك وبين الله، والوطن للجميع.

* من حائط الكاتب على موقع فيس بوك