الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢٤ مساءً

لهذا نقلق على اليمن!!

علي ناجي الرعوي
السبت ، ٠١ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ٠١:٠١ صباحاً
أعرف –بالطبع– أن المشهد في اليمن أصبح أكثر توتراً وأن الصراع في هذا البلد الذي تلاحقه لعنات الانقسامات والحروب ونزعات التطرف بشعاراتها المتعددة مرشح للتصاعد والمزيد من الاستنزاف وأنه الذي يقترب شيئاً فشيئاً من التحول إلى حرب أهلية وفوضى شاملة إذا ما استمرت حالة العناد المتبادل بين الإخوة الأعداء في الفسيفساء اليمنية التي تمزقت إلى طوائف ومذاهب وأحزاب وجماعات ومناطق وزرائب وأمراء حرب يتناحرون على اقتسام تركة الدولة التي تهاوت مؤسساتها بصورة درامية تتخطى كل قوانين المصلحة الوطنية وأسوأ صور التقاطع البراغماتي وخياراته المجنونة.

وأعرف أيضا أن أي حديث عن مشروع لإنقاذ اليمن في هذه اللحظة القاتمة ليس سوى نوع من التنظير الأجوف أو الأماني التي تتردد أصداؤها الخائبة على ألسنة بعض الحالمين من ذوي النيات الطيبة والذين يعتقدون أنه مازال بالإمكان إعادة تنظيم الفوضى التي يشهدها اليمن في إطار الحد الأدنى من التوافق والتفاهم بين القوى المتصارعة على الساحة من دون إدراك أن لا أحد بوسعه الآن إعادة بوصلة الأوضاع في هذا البلد إلى خانة التعقل في الوقت الذي يصر فيه الممسكون بالبنادق ليس على تقاسم الأدوار وإنما على تدمير وطنهم والإمعان في تقسيمه وتفتيته وتحويله إلى بيئة حاضنة للعنف والكراهية والأحقاد.

والإشكال هنا ليس في فكرة (الحل السياسي) أو الأسس التي سينطلق منها وإنما في عجز من يمسكون بزمام الأمور في الاتفاق على خطة واضحة للخروج من المأزق والعودة بالبلاد إلى الطريق الآمن، بل إن الأمر يبدو أكثر صعوبة عندما نلاحظ أن أبواب الخروج من هذا المأزق أصبحت جميعها مغلقة أمام أي محاولة لتفادي هذا الانهيار وهو ما يجعل كل الحريصين على اليمن يضعون أيديهم على قلوبهم من مآلات الكارثة التي قد ينزلق إليها هذا البلد خصوصاً وهم يرون أن طابع الصراع يتجاوز اليوم بعده السياسي ليأخذ طابعاً مناطقياً ومذهبياً وطائفياً وهو ما قد يمهد لانقسامات اجتماعية قابلة للتمدد في أكثر من زاوية من زوايا المنطقة وذلك يشكل عاملاً من عوامل القلق للجوار الخليجي الذي لاشك وأنه من يخشى أن يستشري هذا السوس الناخر في البنية الاجتماعية اليمنية المتفجر بعضها أصلاً فيما يجري هندسة تفجير بعضها الآخر على قدم وساق بهدف تفجير المنطقة بأكملها.

من المفارقات أن نسمع بين حين وآخر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يردد مقولة: إن الحل السياسي هو الخيار الوحيد في اليمن ولكن ما لم نسمعه من هذا المسؤول الأممي الكبير هو الإقرار بتلك الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الأمم المتحدة في هذا البلد بعد أن قبلت هذه المنظمة لنفسها أن تلعب دور المشرعن لكل هذه الفوضى التي يموج بها المشهد اليمني مع أن نتائج هذه الأخطاء بدت بالظهور على أرض الواقع بشكل لا تخطئها عين فقد تجاهلت الأمم المتحدة مع الأسف حقيقة انها من تركت اليمنيين يتخبطون في أزمتهم حينما قررت الإمساك بالعصا من المنتصف وقد تجلى هذا الدور المشبوه صراحة فيما عبر عنه المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر في إحدى مداخلاته أمام مجلس الأمن حيث أشار إلى أنه وفي الوقت الذي يندفع فيها اليمن بقوة إلى هاوية حرب أهلية فإن من الوهم أن نتصور أن الحوثيين قد ينجحون في السيطرة على البلد بأكمله ومن الخطأ أيضاً الاعتقاد أن حكومة الرئيس هادي تستطيع حشد ما يكفي لإنهاء سيطرة الحوثي على البلاد وهو ما يعني أن الأمم المتحدة قد عمدت من خلال هذا الموقف الرمادي والسلبي على إدامة الصراع وشرعنته لتتخلى بذلك عن دورها الإنساني والتاريخي تجاه الشعب اليمني في اللحظة التي كان اليمنيون أحوج ما يكون فيها إلى موقف يتسم بالواقعية والشفافية وبما يؤدي إلى احتواء الصراع لا أن يشجع على إذكائه وتوسيع رقعته، فتقاعس الأمم المتحدة هو ما تسبب في تجذر ذلك الصراع وتصلبه بل وتحوّله من خلاف سياسي إلى خلاف يتدثر بهوية جهوية ومذهبية وطائفية تعكس مؤشراته على أن القادم سيكون أسوأ وهو ما يثير في أذهاننا شكوكاً كثيرة حول مصداقية الجهود الدولية في حلحلة الوضع اليمني، بل انه ما يجعلنا أكثر قلقاً على هذا البلد الذي يظهر اليوم مهدداً بالتقسيم والتشظي والانهيار وهو القلق المشوب بالحذر وربما هو الخوف من القادم الذي يصبح فيه السكوت موازياً للكارثة التي حلّت باليمنيين.

نقلا عن "الرياض" السعودية