الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٣ صباحاً

تعــز تُطـرِّز ثوبهـا

حبيب العزي
السبت ، ١٥ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١١:٢٢ صباحاً
استعداداً لزفافها قريباً، تدوس تعز الحالمة على كل جراحاتها، وتسهَـر على تضْميدها، لتبدو بكامل فتنتها يوم الزفاف على الرغم من الجراح، كما تعكف هذه الأيام على تطريز ثوبها الجميل الذي يشترك، في حياكته وتطريزه، كل عُشَّاقها، والمتيمون بحبها، من يبذلون أرواحهم رخيصة لأجلها، المرابطين على سهولها ووديانها، الذين يسقونها بدمائهم الزكية، ويروونها بعرقهم العابق، من عبق مسكها وعبيرها الفوَّاح.

ثوب تعز الحالمة، سيكون قُماشه من الحرير الخالص، وسيظهر مكللاً بالزَّبَرْجَد، موشحاً بالعَسْجَد، ومرصَّعَاً بالجواهر والحُلي الثمينة، ذلك أن الفاتنة التي نتحدث عنها ليست مثل باقي المدن، إنها عروس المدائن اليمنية، فهي التي أطلقت أول شرارة للثورة، وهي من أشرقت منها أول شمس للحرية، فبعثت بإشعاعاتها إلى باقي المدن، لتضيء فضاءات الوطن بعد ليل طويل وحالك، مؤذنة ببزوغ فجر جديد، مُفعم بالأمل، ومُشرق بالابتسامة، التي طالما افتقدها أبناء هذه المدينة الجميلة، كما أبناء الوطن بأسره.

نعم، تأخر موعد زفافها قليلاً، أو تأجل بعض الوقت، ربما لحاجة لا يفهمها أولئك المستعجلون دائماً، الذين بدأوا كيل الاتهامات لقوى التحالف، وقالوا إنها لا تهتم بتعـز أو أن هناك من يتآمر عليها. وبتقديري، لا يدرك أولئك المشككون والمستعجلون، تماماً، ماذا يعني زفاف تعز، وماذا يعني تحريرها، إنه زفافٌ لليمن بأسره، وتحريرٌ لكل المدن اليمنية.

كانت تعز، طوال فترة هذه الحرب، العصا القوية التي اتكأت عليها قُوى التحالف، من أجل تحرير باقي المدن، إذ إنها كانت تضعها بمثابة الطعم للمليشيا التي تحشد كل قواها وتعزيزاتها إلى تعز، فتتوجه الأنظار إليها، بينما يتفاجأ الجميع بتحرير مدينة أخرى، حدث ذلك في عدن ولحج، وأخيراً في إب ومدن الحزام المحيط بصنعاء.

سيمثل زفاف تعز وتحريرها منعطفاً مهماً في تاريخها، وبداية ميلاد جديد، لحياة حُرة وكريمة لأبنائها، بعد عقود طويلة من الحكم الشمولي الذي مارسته عليهم تلك الفئة التي ادعت الحق الإلهي في حكم البلاد والعباد، وظلت نحو 60 عاماً، وهي تحكم اليمن بتلك النزعة الطائفية العنصرية التي تسببت في إحداث شرخ عميق في النسيج المجتمعي لجُموع الشعب اليمني الذي سيحتاج إلى وقت طويل حتى يتعافى منه.

ما زاد من تعزيز ذاك الشرخ بين أبناء البلد الواحد، هي الحرب الهمجية الأخيرة التي قادتها مليشيات البغي الطائفية، على مناطق الجنوب والوسط، وخصوصاً مدينتي عدن وتعز، والمسنودة بعصابات الشر والإجرام، في الحرس الجمهوري ومرتزقة علي عبدالله صالح، الحرب التي لبست أقذر أثواب العنصرية، وتغطت بأنتنِ غطاء للسلالة والمناطقية، من خلال ممارساتها الفاشية، في اقتحام منازل المواطنين وقتلهم داخل منازلهم، في كريتر والتُواهي وخور مكسر والمعلا وغيرها من المناطق في مدن الجنوب، والشيء نفسه في مدينة تعز، وذلك كله بدافع الانتقام من هذه المدن، على أساس عنصري مناطقي.

تعيش تعز، اليوم، أقصى درجات الاستنفار، استعداداً ليوم زفافها، يوم تحريرها وانعتاقها من براثن اللصوص والقتلة الذين ظلوا، يجثمون على صدرها، وينهبون خيراتها طوال العقود الماضية، وهي تدعو، بهذه المناسبة، كل عُشَّاقها والمتيمون بها، لحضور ذلك الزفاف الميمون الذي سيتوجب عليهم أن يتكاتفوا جميعاً لإنجاحه، ليكون إيذاناً بزفاف بقية المدن اليمنية، حتى تحرير كامل الوطن.