الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٤ صباحاً

فيم تختلف معركة صنعاء عن عدن؟

طلعت رميح
الخميس ، ١٠ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٣٥ مساءً
كل خبر وتصريح وتحرك وتعليق صار اسمه معركة صنعاء، تمامًا كما عاش المتابعون وقتًا طويلًا لا شيء يذكر في اليمن إلا معركة عدن،. لكن معركة تحرير صنعاء جد مختلفة عن معركة تحرير عدن. في عدن كانت أبرز المشكلات، أنها كانت معركة البداية. البداية في كل شيء، من التنسيق بين المقاومة وبعضها البعض وبين المقاومة وقوات الشرعية والتحالف. ونقطة البداية تحمل دومًا قدرًا هائلًا من المشكلات والتفاصيل المستحدثة. وهناك كانت المقاومة جاهزة على نحو ما باعتبار الحوثي غريبًا في جنوب اليمن، بل غاز ومحتل عند البعض، وليس انقلابيًا فقط. وهناك كان البحر عنوانًا وضلعًا ناقصًا في سيطرة الحوثيين.. إلخ. كان لمعركة عدن ملامحها الخاصة، وهي تحررت بعد مشوار طويل من الحشد والتعبئة والتنظيم والقتال، وجاء دخول قوات الشرعية والتحالف، دعمًا لمقاومة ظلت صامدة طويلًا، ومع ذلك لم يكن دخول قوات الشرعية والتحالف سريعًا، بل احتاج إلى خطة متمهلة، وهو ما جعل معركة عدن، معركة تحرير للجنوب كله، إذ ما إن تحررت حتى لحقت بها مختلف مناطق الجنوب تباعًا وسريعًا.

الآن تصعد صنعاء إلى قمة الحركة والفكر والتحليل، وفي ذلك نحن أمام خصوصية واختلاف وتعقيدات في إدارة المعركة وتوقيتاتها. كانت عدن نقطة البداية، فيما صنعاء نقطة الحسم الاستراتيجي، وأهمية خطوة الحسم أعلى وأشد تعقيدًا من نقطة البداية، إذ هي معركة كل القوة في مواجهة كل القوة لدى الطرف الآخر الذي يخوض حرب البقاء. وفي صنعاء تجري المعركة في بحر واسع من الاتجاهات، بما يتطلب تحديد الخيارات وزيادة أعداد القوات وأعمال حشدها وتدريبها على خطط واسعة الحركة والمهام، ففي الأعلى صعده مقر الحوثيين وعنوانهم، وفي الغرب الحديدة التي هي عنوان كبير وملغوم على صعيد الإمدادات من البحر أو الهرب، وفي الشرق لا دخول لصنعاء إلا عبر مأرب والجوف، وفي الجنوب تعيش البيضاء واب.. إلخ، عنوانًا لبوابات صنعاء التي يرى الخبراء العسكريون أنها سبع في التحليل العسكري.

وفي الأهمية الاستراتيجية والحسم المبكر لمعركة الإجهاز الاستراتيجي على انقلاب الحوثيين، تقاتل تعز وهي الخزان البشري والعنوان السياسي الوطني وعنوان التعدد السياسي كذلك، ولا قول في معركة صنعاء دون توقيع في معركة تعز. وفي الأهمية الاستراتيجية أيضًا، وربما في فكرة الحسم النهائي وإعادة البناء السياسي الوطني على أسس جديدة، لا حديث عن حسم في صنعاء دون سابق أو تال له في صعده.

معركة واسعة الأرجاء، وخطوط الحسم فيها حركة متعددة الاتجاهات أو من كل الاتجاهات، وهناك الأبعاد القبلية معلنة حالة اليمن، وقبل هذا وبعده فمعركة صنعاء هي معركة إقليمية ودولية أيضًا، إذ نحن أمام مرحلة قصف الثمار وتغيير التوازنات وفرض معادلات القوة العسكرية لأوضاع سياسية جديدة، وفي ذلك تتحرك مختلف القوى بوازع من مصالحها المتضاربة.

وفي صنعاء نحن أمام ثلاثة ملايين إنسان، وهم تحت سيطرة عدو لاشك ينظر إليهم كأعداء، أو يعتبر السكان نقطة ضغط على خصمه، على ذات الطريقة التي اعتمدها حين صار يعتقل القادة السياسيين لليمن ويضعهم في مواقعه العسكرية، للضغط على قرار قوات التحالف خلال قصف المواقع العسكرية، تمامًا كما يفعل الجيش الصهيوني بالفلسطينيين حين يتخذهم دروعًا بشرية!

وهكذا فمعركة صنعاء بحاجة إلى الصبر الاستراتيجي، وليس فقط إلى الحسم الاستراتيجي، وحين تحتاج إلى خطة تجبر الخصم على الاستسلام، فأنت تدير خطة أكبر من التحرير عبر المعارك المباشرة على الأرض. ومعركة صنعاء تحتاج إلى أعلى طرق الحرب النفسية على الخصم، متوافقة ومتزامنة مع الأعمال العسكرية، وهو ما تشير إليه أعمال التحشيد الجارية في مأرب وأعمال القصف الجوي المكثف. وهنا لا بديل عن تشتيت قوة الخصم، عبر التوقف عن إعلانات بخطوط سير المعركة واستراتيجيتها، ففي مثل تلك المعركة الواسعة يقوم النصر فيها على إخفاء نمط الخطة، وعلى إرباك الخصم إلى أبعد الدرجات، لاستثمار عدم قدرته– تحت القصف الجوي- على إعادة نشر قواته أو تحريكها عند المباغتة.

والأصل في معركة صنعاء كذلك، هو تفكيك قبضة الحوثيين وصالح على حركة السكان، وتهيئة المسرح لتمكين السكان من مساندة قوات الشرعية، ولو بإثارة الاضطراب في صفوف الانقلابيين، والمعنى هنا سياسي وإعلامي وليس عسكريًا فقط.

نحن إذن أمام معركة مختلفة عن معركة عدن، ويتطلب الأمر صبرًا ودقة وتوسعًا في التحضيرات، ووضعًا لمعايير محددة لخوض معركة يتحقق فيها الانتصار الحاسم بأقل قدر من خسائر السكان. وأمام معركة رسم نزول القوات الخليجية على أرض المعارك في اليمن عنوان عملي ذو طابع استراتيجي بانضمام اليمن لمنظومة الخليج، إذ مثل تلك القوات لن تغادر إلا بعد استكمال بناء الجيش الوطني، وأجهزة الدولة، وفرض السيطرة السياسية والتنفيذية، لا العسكرية فقط.

"شؤون خليجية"