الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٧ مساءً

مونيتور09؟!

مروان الغفوري
الجمعة ، ١١ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٤٤ مساءً
معسكر لبوزة في لحج سقط في يد الحوثيين في ١١ دقيقة، ثم استغرق أمر استعادته أربعة أشهر. لأجل استعادته تدخل كل أنواع الطيران الحديث، والسفن الحربية، وشاركت كتائب عسكرية مقاتلة من دول عربية عديدة.

أما اللواء الرابع، التلفزيون، فمن الواضح، من مشاهدتنا للانفجارات الراهنة، أنه كان ينام على بحر من الأسلحة. سقط في يد الحوثيين في العشرين من سبتمبر، استغرقت عملية انهياره نصف ليلة !

عندما كان الجنود ينهزمون ويتركون مقر اللواء الرابع، التلفزيون، أدركوا يقيناً أن القيمة العسكرية لمخازن الأسلحة التي كانوا يقرعونها بنعالهم ليست بأكثر أهمية من شبكة مجاري اللواء.

في تلك النصف ليلة فر القادة أولاً، ثم كبار الضباط، وبقي عشرات الجنود. استقبل أولئك العشرات وزير الدفاع مع مطلع شمس اليوم التالي، فنصحهم قائلاً "الضباط اللي انسحبوا أمس كانوا يمتلكون وعياً سياسياً عالياً. الأهم حياتكم، البلاد فيها عملية سياسية، الأهم حياتكم". روى أفراد اللواء هذه القصة لأكثر من وسيلة إعلامية، ومنها صحيفة المدينة السعودية التي غطت تظاهرة لهم في الأيام اللاحقة.

صنعاء مدرّعة، هكذا تبدو. مجرد مدرّعة كلها حديد ونار. ومع ذلك لم تدافع عن نفسها ضد عصابات مسلّحة لم تمارس السياسة قط.

صنعاء المدينة التي اشترت السلاح من أطراف الكوكب وسلمته للعصابات. العصابات تناولت ذلك السلاح وأحرقت المدن البعيدة عن صنعاء. ما بقي من السلاح عمل ك "سُرّابة" جلب إليها الدبابير من كل مكان. الدبابير القاتلة.

لم تكن تلك هي المفارقة الوحيدة في حياة صنعاء الحديثة. فقد كانت العاصمة الوحيدة في العالم التي بمقدور شخص واحد "كلفوت" أن يغرقها في الظلام متى ما شاء. العاصمة التي استنزفت آبارها الجوفية وملأتها بالذخيرة لم تكن قادرة حتى على مواجهة قاطع طريق واحد.
لقد ازدردت صنعاء من السلاح الكثير حتى آلت في مشهدها الأخير إلى مدينة عاجزة عن الحركة، تشبه حنش زارد، فمه متعب وبطنه منتفخ بالفئران. لم يعد قادراً على العودة إلى مخبئه، ولا الهرب. صارت فريسة للعصابات، تارة، وللمقاتلات تارة أخرى. وفي حالاتها الأفضل تريد صنعاء أن تنهزم لأي قادم، هي فقط تبحث عن إجابة لسؤالها التاريخي: كيف.

قال أوفيد، في القرن الأول الميلادي على ما أظن، عن المرأة:
أن أفضل وضع تحبه المرأة هو أن تستسلم، لذا ما عليك سوى أن تقدم فإن النصر مضمون.

وتلك هي صنعاء، صنعاء دائماً.

الأسلحة التي خرجت من صنعاء قتلت اليمنيين في أطراف الجمهورية، ودمرت منازلهم في قرى العوالق، في شبوة، وفي صحراء الزرانيق، الحديدة، وفي منحدرات الضالع، وفي وادي الضباب.

تدمير مخازن السلاح في صنعاء من شأنه أن يعرض أهل صنعاء الطيبين للهلاك. وترك مخازن السلاح فيها لا يعني رياضياً وعملياً سوى مزيد من الموت في إب والبيضاء وتعز، وقريباً: في الحديدة!

هذه ليست معادلات أخلاقية وحسب، بل وجودية. معادلات لا تتعلق بجماليات الحرب بل بمعناها.

كنّا نقرع الأجراس بالكلمات، فراح الحوثيون ينشرون قوائم طويلة تطالب بمحاكمة البعيدين منا وتتوعدهم. اختطفوا آخرين ووضعوهم في مخازن الذخيرة. قوضوا كل ممكنات الكلام، ولكن قرع الأجراس لم يتوقف. أثبت الحوثيون، كالعادة، أنهم غير جاهزين للحياة في المدينة ولا فهم ظواهر المدينة الحديثة.
بوحشية ساذجة واجهونا ونحن نقرع الأجراس. كنا فقط نقرع الأجراس ونقول: احذروا، ما تفعلونه سيجركم إلى الهاوية وسيجرفنا معكم. ركنوا إلى القبضة الصلبة ومنحتهم مخازن الذخيرة شعوراً نادراً بالزهو وثقة بالنصر. ومن وقت لآخر كانوا يصفون مخازن الذخيرة العملاقة بأنها هي "الله" الذي يقاتل مع المؤمنيين. مغمورين بالرضا، ذلك الذي يبثه مخزن ضخم للذخيرة، راحوا يكتبون الأناشيد عن نصر الله. وكان الله، دائماً وأبداً، الذي تقصده العصابات هو مخزن الذخيرة.

قرعنا الأجراس وبدلاً عن الاستماع إلينا فضلوا الحديث إلى الجنرالات.

وها هي لغة الجنرالات حية، وموحشة، وبلا نقاط.
الحرب أكثر خطراً من أن تترك للجنرالات، كما صرخ أحد قادة الحرب في القرن الفائت. وهي كذلك أخطر من أن تترك للعصابات.
يا لها من معادلات سيتذكرها اليمنيون، إذا ما بقيت هذه الدالة: اليمنيون"" قابلة للتعريف مستقبلا:
صنعاء المسلحة خطر على باقي المدن. نزع السلاح عن صنعاء ربما يعني تحويلها إلى مقبرة، أو هولوكوست.
هذه أزمة هجينة، يقاتل فيها:
جيش نظامي يتبع قائد عصابات، عصابات تتبع قائد ديني، جيش نظامي يتبع رئيس في المنفى، مقاومة لا تتبع أحداً، جيوش خارجية لا يعلم أحد أين تريد ولا أين ستتوقف.
العملية السياسية معطلة كلياً. لا بد وأن تكون معطلة، فالعصابات ليست جماعات سياسية. توجد طريقة واحدة فقط للتعامل معها: إذلالها ودفعها للاستسلام، ثم تجريمها بعد ذلك، والتنبه للظواهر الشبيهة أو المماثلة.

لا يوجد دليل واحد على أن الحوثيين جماعة سياسية أو أن بمقدورهم أن يصيروا جماعة سياسية. تحول الحوثية إلى جماعة سياسية سيعني تحلل الجماعة التلقائي. لقد نشأت على فكرتين أساسيتين:
تأهيل أعضائها إلى درجة مجاهدين، والتعاقد مع المهزومين والخائفين وتحويلهم إلى مرتزقة، على أن يجري تقاسم مكاسب الحرب ومنافعها بين المجاهدين والمرتزقة بدرجة ما.

هذا المركب الكيميائي السام من المجاهدين والمرتزقة يمكنه أن يكون أي شيء إلا أن يكون مركّباً سياسيّاً.
اعترافات السفير التركي لقناة بلقيس تكشف جزءاً مخبوءاً من طبيعة تلك الجماعة. قال إن قيادات كبيرة في الجماعة اعترفوا له، في فترة الحوار الوطني، برفضهم المبدئي والنهائي للنتيجة التي سينتهي إليها الحوار الوطني، وأنهم فقط يناورون.
انتقال الجماعة إلى السياسة سيعني خسارتها للمرتزقة أولاً، وللمجاهدين تالياً. أولئك سيستمرون بطريقة ما وعبر تشكيلات أخرى. فالرجال الذين نشّئوا على تفخيخ الجسور لن يكون بمقدورهم العودة إلى المدينة والعمل في وزارة الإسكان!

في دراسة مهمة نشرتها مجلة الساينتفيك أميركان، قبل سنوات: يروي عائد من الحرب من فيتنام لطبيبه النفسي كيف أنه كان يحمل بندقيته على الشط، بعد عودته، ويراقب طيور المحيط من خلال ناظور البندقية. كان قد توقف عن الحرب، لكنه لم يكن قادراً على رؤية الأشياء، ولا حتى التنزه على المحيط، سوى من خلال البندقية.

وحتى لو راح ممثلو الحكومة إلى مسقط. قلت البارحة لبشير الحارثي، في برنامجه على قناة بلقيس:
إن كل تلك التدابير والمحاولات الأممية تسعى إلى اجتراح سبيل ما من شأنه أن يجعل اليمن بلداً آمناً لليمنيين. بينما كانت السعودية قد حشدت جيشاً كبيراً، بآلة عسكرية مذهلة، بغية تحويل اليمن إلى بلد آمنٍ للسعوديين. هذه الملاحظة، وأظنها دقيقة كونها معززة بسلسلة من الحقائق المادية، ستجعل من رحلة مسقط المزمعة مجرد سيرك صغير، وسيهمس الجنرالات في أذن ممثل الحكومة اليمنية قبل مغادرته: افعل كل تلك الأشياء، وقل كل تلك الكلمات التي لا تؤدي إلى شيء، ولا تورطك.
صار الرئيس اليمني الشرعي سكرتيراً يعمل لدى قوات التحالف.
ذلك أن الحرب التي دشنها الحوثيون صارت حرباً هجينة، متعددة الأطراف، متعددة المكاسب والغايات. ولم يعد طرف واحد قادراً على إيقافها. فضلاً عن أن موفد الأمين العام للأمم المتحدة يتجاهل، لأسباب غير مفهومة، التعامل مع المسألة الهجينة كما هي في حقيقتها، ويذهب شارداً وتائهاً معتقداً أن لقاء يجمع رياض ياسين وحمزة الحوثي سيكون بمقدوره إيقاف حرب وصفتها السنغال بأنها "حرب للدفاع عن الحرم المكّي"! وتلك السنغال، السنغال البعيدة والتي قدمت عرضاً مشرّفاً في كأس العالم قبل عشر سنوات، بالرغم من أنها دولة لا تعرف أين يقع ذلك الحرم المكي.

وعلى كل حال فهذه حرب مغلقة وذاتية التدعيم
self - sustained, self - enclosed. ..
وفي داخلها من عناصر استمرارها أكثر مما يوجد في خارجها.

وحالياً يبدو المخرج الوحيد هو أن يوقع صالح والحوثي وثيقة استسلام مذل. وهو ما يرفضه الرجلان، فقد بدت ملاحظات الرجلين السبع حول مبادرة موفد الأمين العام للأمم المتحدة كما لو أنها شروط للاستسلام الكريم. وهو أمر يبدو، حالياً، بعيد المنال.

في جنيف رفض ممثلو الرجلين، صالح والحوثي، النزول من الفندق، أو الحديث إلى أحد. وحالياً يطوفون في مسقط بحثاً عن أي رجل يحدثهم، يقول لهم أي شيء، أي شيء، ولو عن السنغال، تلك التي قدمت أداء مشرفاً في كأس العالم ولا تعلم أين يقع الحرم المكي.

من صفحته على الفيس بوك