السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٤ صباحاً

البوصلة المفقودة !

إلهام الحدابي
الاربعاء ، ٠٧ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٨:٤٨ مساءً
نجد في التاريخ الكثير من قصص الحرب التي خاضتها اليمن عبر تاريخها، أفضت بعض تلك الحروب إلى تدمير حضارات ونشوء أخرى، وإلى تمكين امبراطوريات واختفاء أخرى، رغم ذلك بقيت اليمن محتفظة باسمها وقامتها بين كل تلك العواصف التي حلت بها، ونأمل أن تنحني سنابل اليمن رويداً لتهدأ عاصفة الحزم والحوثي ، وتعاود يقظتها واستقامتها من جديد بعد أن تنتهي تلك العاصفة.
في المشهد اليمني الذي تضمن ثعابين صالح، وعرش الحوثي، ورهبة تيجان دول الخليج، وتخبط القاعدة، وانهيار المنظومة الاقتصادية والتعليمية والصحية ، يقفز إلى اذهاننا سؤال بسيط: من المستفيد من كل هذه المعمعة !

دول الخليج...
إيران...
أمريكا...
لا احد !

ستختلط الإجابات العشوائية، لكن قبل ان نجيب على هذا السؤال البسيط لنعود إلى الوراء قليلاً، لنتأمل خارطة المكان والزمان، لنحاول أن نرى المشهد من زوايا أخرى، بعيداً عن المشاكل الحدودية والمخاوف الضيقة لدول الخليج، بعيداً عن الأطماع المترهلة لملالي إيران، وبعيداً عن زعيق الأحمق المطاع الحوثي، وبعيداً عن إلإخلاص الغبي لتنظيم القاعدة، بعيداً عن كل هاؤلاً لنتأمل في قضية صنع وتوريد واستهلاك السلاح، تلك القطع ليست مجرد قطع معدنية تستخدم لبتر الأوراح في الحروب، في حقيقة الامر هي منظومة اقتصادية متكاملة تعتمد عليها الدول العظمى في بناء اقتصادها في عالم اليوم الذي يعتمد بشكل اساسي على عولمة الاقتصاد، إذا رأينا فقط من هذه الزاوية سنتمكن من تغير الكثير من القناعات حيال من المستفيد من هذه المعمعة التي يغرق فيها الحوثي وبحاح رغم أنهما في قوارب مختلفة !
لا نتحدث هنا عن نظرية المؤامرة التي شنقنا فيها انفسنا منذ عشرات السنين، بل نتحدث عن النظر من زاوية جديدة، وثمة فرق كبير بين المفهومين.
تفجيرات السادس من أكتوبر لعام 2015 لمراكز ومقرات حكومية في المناطق المحررة ، تبناها تنظيم القاعدة في اليمن ، التنظيم الذي لا يظهر بشكل فاعل إلى وفق ما تقتضيه مصلحة النظام السابق الذي كان يقود الحكم في اليمن، تدللنا هذه الخطوة على حقيقة ان القاعدة ليست سوى سلاح آخر يستخدم في الحرب الدائرة حالياً في اليمن.
على الرغم من وجود جيوش عسكرية اعدت لفترة طويلة في اليمن إلا أنها فقدت دورها تماماً بعد أن وظفت لخدمة طرف دون آخر، وأصبح دورها في اليمن أشبه بدمى الظل ،لذا عندما تكررت مشاهد اقتحام المقرات الحكومية في الكثير من المحافظات بقيت تلك القوات العسكرية مجرد هامش في نص المشهد ، لذا لا نرى لها أي أثر إيجابي في مشهد الحرب في اليمن، من يدافع عن المحافظات اليمنية هي قوات شعبية ، إذ أن دمى الظل العسكرية أخذت موقف الحياد في كثير من المناطق اليمنية، بل وأصبحت جزء من القوات التي تقودها حركة الحوثي في اليمن.

لم تمتلك الحكومية اليمنية زمام المبادرة من البداية لعدة اسباب، أبرزها ضعف شخصية الرئيس الانتقالي ، إضافة إلى غياب الرؤية بشكل عام لدى صانع القرار السياسي في اليمن، عندما تشكلت حكومة كفاءات بقيادة خالد بحاح لم يتغير المشهد كثيراً بسبب تسارع وتيرة التغيرات السياسية التي قادتها حركة الحوثي ابتداءاً بفرض نفسها على المشهد السياسي من خلال اللجنة الثورية ، تم ذلك بقوة السلاح، فيما بعد تم محاصرة الرئيس وإسقاط الحكومة بشكل درامي ، لتبتدئ الحرب المباشرة بين الأطراف اليمنية نفسها في بداية الأمر، وتنتهي بحرب إقليمية تشارك فيها عشر دول ترى أن النفوذ الإيراني يهدد التواجد السني في المنطقة العربية ككل.

مقابل أزمة غياب زمام المبادرة من قبل صانع القرار السياسي في اليمن يأتي مشهد غياب البوصلة في مهام التحالف كخطر اكبر، أذ أن اكبر هم تريد أن تتخلص منه تلك القوات هو إزالة التهديد الشيعي الذي يملك مشروعه المتكامل في المنطقة، لكن السبب الحقيقي في ذلك التهديد ليس وجود المشروع الإيراني بل غياب المشروع العربي، والسبب في ذلك هو غياب البوصلة- التي تحدد معالم ذلك المشروع - لدى صانع القرار في دول الخليج بشكل عام، لذا يمكننا ان نبرر الازدواجية الكبيرة التي تتعامل بها دول الخليج تجاه قضايا الدول العربية إذا نظرنا من هذه الزاوية ، ففي حين تقوم بعض دول الخليج بدعم السيسي وحفتر اللذان يمثلاً انتهكاً للإرادة الشعبية في تلك البلدان التي حدثت فيها ثورات، تقوم نفس تلك الدول بمساندة جهات ثورية في اليمن خشية من النفوذ الشيعي، وفي تعاملها مع اليمن أيضاً تتمثل تلك الازدواجية في دعم مناطق وتجنب أخرى يُعتقد ان قيادتها تنتمي إلى تيار فكري إسلامي تراه دول الخليج مسمار نعشها في المنطقة !

ربما نكون أمام سياسية استعمار قديم ولكن بصيغة جديدة، لن تستخدم فيه هذه المرة أسلحة قديمة، بل السلاح الذي يستخدم اليوم هو سلاح نظيف ، لا تظهر فيه بصمات الجهات التي تورد السلاح وتنشيء اقتصادات بلدها من تجارة الموت تلك، لا تظهر فيه إلا بصمات عربية خالصة، تختلف فيه عناوين الحرب ، أسباب إقليمية، أو حرب طائفية، أو حرب مصالح أو قومية ...إلخ
وأمام ذلك المشهد نقف نحن ذاهلين ، نحاول أن نحدد المصدر الأساسي لتكل الحروب التي تلتهمنا، ونفشل في تحديد الاتجاه، ليس لأننا لا نملك أسلحة وقدرات ، بل لأننا لا نملك بوصلة.