الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٥ مساءً

معارضون يشبهون الطاغية؟!

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ٠٨ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٢:١٦ مساءً
لم ير العالم، حتى الآن، قائداً سياسياً واحداً من المعارضة السورية يتسلل ليلاً، وعبر الحدود والمسالك الخطرة، ليكون بين مواطنيه، ويشد أزرهم، بعد مذبحة من مذابح كثيرة تعرّضوا لها، في السنوات الخمس الماضية، أو ليحتفي مع مقاتليهم بنصر ميداني أحرزوه على نظام الحكم ومليشياته.

ذاك ما كان يفعله الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، منذ حكاية تسلله إلى الضفة الغربية بعد تأسيس حركة فتح، في مطلع شبابه، مروراً بقصص ظهوره المفاجئ مراراً وتكراراً، وسط معارك بيروت وطرابلس في لبنان، وصولاً إلى إصراره على الصمود حتى الموت داخل مقرّه المحاصر بالدبابات الإسرائيلية في رام الله. وبهذا السلوك، كما بسواه من المواقف القيادية الشجاعة، كرّس نفسه رقماً صعباً، كما كان يحب أن يقول، على الرغم من الخلافات الواسعة والعميقة معه وعليه.

لا عرفات لدى السوريين، بالمعنى القيادي الكاريزمي، ولا حتى من قد يكون أقل منه بكثير. إنهم يموتون، بالجملة، كل يوم، ويقاتلون، في عزلتهم، ووسط تخاذل العالم، أو تواطؤه، بينما يكتفي ممثلوهم، في الائتلاف الوطني، وأحزابه وقواه، بمطاردة سراب النصر في عواصم الشرق والغرب، ولا يحاولون البحث عن سر الهزيمة في ذواتهم.

على غرار السوريين أيضاً، لم ير اليمنيون أياً من زعماء أحزابهم يتصدّر المعركة المحتدمة ضد تغول المليشيات الحوثية المدعومة من إيران. اختفى كل هؤلاء، في اللحظات التاريخية الصعبة، وغابوا عن المشهد الدامي، تاركين الناس لمصيرهم، لا بل إن الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي خذل مواطنيه مرة تلو مرة، بدءاً باستقالته من منصبه، لكي ينجو بنفسه، أو حتى قبلها، مروراً بهروبه من صنعاء إلى عدن فالرياض، وحتى عودته، أخيراً، إلى عاصمة الجنوب المحررة، بعونٍ من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ثم مغادرتها مجدداً، بحجة المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة.

إنه العجز، أو القصور، في الأقل، يتلطى أصحابه خلف نظرية التواطؤ العالمي مع التمدد الإيراني في سورية واليمن، فضلاً عن العراق، ولا ينظرون في المرايا، ليكتشفوا أنهم، في الغالب الأعم، لا يختلفون كثيراً، عن الطاغية الذي يواجهون. هو، وهو هذه قد تعني هنا بشار الأسد، أو علي عبد الله صالح، أو سواهما من الطغاة العرب، يعرف خصومه أكثر مما يعرفونه، ويدرك أن سياسة البطش والترويع والإفساد التي انتهجها نظام حكمه، عقوداً طويلة، قد نجحت في خلع أنياب المعارضة، وتحويل من بقي من شخصياتها على قيد الحياة، إلى مسوخ، قد تختلف عنه شكلاً، بقدر ما تتشارك معه في أمراضٍ كثيرة، لعل أبرزها الفساد.
ولو مددنا النظر إلى الوراء قليلاً، لما صعُب علينا أن نرى كيف أن أنظمة الحكم أصيبت بالهلع في مستهل ثورات الربيع العربي، فسقط زين العابدين بن علي وحسني مبارك، ثم سرعان ما التقطت أنفاسها، واطمأنت نسبياً، إلى إمكانية بقائها، وانتصارها، بعدما رأت قوى المعارضة التقليدية تختطف زمام الثورة من شباب ميادين الحرية في مصر واليمن وسورية.

هنا يكمن، في الواقع، أحد أسباب هزيمة الربيع العربي، لا كلها، وهو سبب لم يحظ، على الرغم من أهميته، بمراجعةٍ تبدو ضرورية، لا في سورية واليمن فحسب، وإنما في مصر أيضاً حيث أقصي شباب الثورة هناك، فور خلع مبارك عن سدة الحكم، لتولد الثورة المضادة، سريعاً، من سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى تمكين حكمها، بالتزاوج غير الشرعي مع عسكر الدولة العميقة الذين كانوا يعدون العدة لتنفيذ خطة إطاحتها عن السلطة، ثم رجمها.


وبعد، الأمثلة المشابهة، على عجز قادة المعارضة، أكثر من أن تتسع لها هذه المساحة الضيقة، وكلها، تساعد، مع الاختلافات النسبية بينها، على تفسير انتصار الثورات المضادة، وصعود التنظيمات الدينة المتطرفة، لتملأ الفراغ، وتتصدر المشهد.

"العربي الجديد"