الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٣ صباحاً

من يستر عورة النخبة الحاكمة في اليمن؟

عارف أبو حاتم
الخميس ، ٠٨ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٣:١٨ مساءً
أحداث الثلاثاء الماضي لم تكشف عورة النظام الأمني المتبع في عدن المحررة منذ ثلاثة أشهر بقدر ما كشفت عن صبيانية صناع القرار في قيادة الدولة اليمنية، التي لم تهتم بتحرير البلاد بقدر اهتماها بتعزيز حضورها الذاتي.

صباح الثلاثاء حدث الانفجار.. كان رئيس الحكومة ووزير الداخلية على بعد 10 امتار من الجريمة.. ومع ذلك لم يطلعوا بتصريح موحد!!

رئيس الحكومة وناطقها قالا ثلاثة صواريخ أطلقت على عدن!

ونائب وزير الداخلية اللواء لخشع يقول سيارات مفخخة فقط!!

وحتى الآن لم يصدروا بيانا موحدا أو مؤتمرا صحفيا يقولون للناس ما الذي حدث، وكأن الانفجار كان لألعاب نارية وليس انفجار كاد يودي بحياة قيادة الصف الأول للدولة بالكامل..

من العيب أن تنتقل خلافات هادي وبحاح إلى تضليل الناس بالمعلومة.. تعدد الروايات في لحظة كهذه أسوء من عملية التفجير.. التفجير قتل الناس والتضليل سيقتل الحقيقة.

تلك إهانة لمقام الدولة وقيمة المواقع التي تشغلونها، فالشارع اليمني والمراقب الخارجي لا يستطيعان أن يعزيا ذلك إلا لسبب واحد هو خلافات هادي وبحاح، وهي خلافات تنتقص من قيمتهما في نظر الناس، فالمواطن الذي تحت القصف لا وقت لديه لقراءة خلافاتكما، وليس معجبا بمشاهدة صراع الديكة على الطريقة الفلبينية، المواطن ينام متكورا طاويا ينتظر من يرمي له لحافا أو غذاء.. لا ينتظر من سيسأله ماذا فعل الصبيان هادي وبحاح.

المواطن لا يريد أن تتكرر مأساة الأديب الروسي تولستوي في أرضه، فقد كان هذا الأديب يلقب بالنبي لروعة أخلاقه، لكن خلافه مع زوجته وصل إلى مداه أن يكتب عنها رواية، وقابلته هي بتأليف كتاب "غلطة من".. غلطتنا نحن يا مدام "تولستوي".. اخترنا بمحض إرادتنا شخصان لا يصلحان لشيء.

قبل انفجارات الثلاثاء حدث انفجار سياسي آخر بين الزعيمين اللدودين هادي وبحاح، فظُهْرَ السبت تحدث وزير الخارجية رياض ياسين الموالي للرئيس هادي (نعم موالي للرئيس وليس لرئيس حكومته..

وكأن رئيس الجمهورية شيء ورئيس الحكومة شيء آخر) وقال الوزير ياسين إن توجيهات رئاسية صدرت بسحب البعثة الدبلوماسية اليمنية من طهران، وبعد ساعات قليلة ظهر الناطق باسم الحكومة راجح بادي يقول إن الحكومة لم تتخذ قرارا من هذا النوع، وبناء عليه رفضت البعثة مغادرة طهران.
هذا الانقسام في أعلى الهرم قاد إلى انقسام في صفوف النخبة المؤيدة للشرعية، بين مؤيد لهادي ومؤيد لبحاح.

ولأن كثيرين انتقدوا هادي ليس حبا ببحاح ولكن تعود "شيطنة" كل ما يأتي من هادي، الذي وجدت نفسي اصطف إلى جانب قراراه لعدة أسباب أهمها:

أولا: انطلقت في تأييدي لهادي من دستور الجمهورية اليمنية الذي يجب أن نتعامل معه باحترام، فالمادة مادة (110) تنص على أن "يعمل رئيـس الجمهورية على تجسيد إرادة الشعب واحتـرام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية ومبـادئ وأهداف الثـورة اليمنيـة، والالتزام بالتداول السلمي للسلطة، والإشراف على المهام السيادية المتعلقة بالدفاع عن الجمهورية، وتلك المرتبطة بالسياسة الخارجية للدولة، ويمارس صلاحياته على الوجـه المبيـن في الدستــور".

وتنص المادة 119 على: يتولى رئيس الجمهورية الاختصاصات التالية، وفي الفقرة 14 من تلك الاختصاصات.

"إنشاء البعثات الدبلوماسية وتعيين واستدعـاء السفـراء طبقـا للقانون".

لعل رئيس الوزراء انطلق هائجا في رفض توجيه رئيس الجمهورية بسحب البعثة الدبلوماسية من طهران من المادة (137) التي تنص على أن "يتولى مجلس الوزراء تنفيذ السياسة العامة للدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاعية وفقا للقوانين والقرارات كما يمارس بوجه خـاص الاختصاصـات التالـــية، والفقرة (أ) من تلك الاختصاصات تنص على "الاشتراك مع رئيس الجمهورية في إعداد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والداخلية".

فمعظم دساتير العالم –إن لم يكن جميعها- تجعل تحديد السياسة الخارجية من مهام رئيس الدولة فقط، ولا تكون من اختصاص رئيس الحكومة إلا في الأنظمة البرلمانية.
ثانيا: ليس من حق رئيس الحكومة أن ينقض توجيه رئيس الجمهورية في الأنظمة الرئاسية، نظرا للتراتب الوظيفي.

ثالثا: قرار رئيس الجمهورية بسحب البعثة الدبلوماسية من طهران كان الأقرب إلى وجدان الناس وإلى تطلعات الشعب اليمني الذي لا يرى في إيران غير وجه الشر، ثم إن هذا الشعب قد انتخب هذا الرئيس ليعبر عنه، وهو من يتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية والتاريخية، ولعله رأى في بقاء العلاقة مع طهران عارا يجب أن يدفن.

وأنا أتابع قصة "هادي بحاح" تذكرت قصة تولستوي "الأديب النبي" كيف كانت أخلاقه تضيق أمام زوجته، ثم أحالتني الذاكرة إلى قصة الرئيس رفيق الحريري مع الرئيس مبارك حين أراد الأول مجاملة مبارك، فقال له "سيادة الرئيس أهنئك على نشاط وزير خارجيتك" (يقصد عمرو موسى) فرد مبارك فورا وبغضب: "رئيس الدولة هو اللي يرسم السياسة الخارجية للبلد.. الوزير ينفذ بس!".. غسل الخجل جسد الحريري فقد قصد المجاملة لا أكثر، أمام فرعون لا يقبل بجانبه أحدا أفضل منه..

نعم صديقنا بحاح السياسة الخارجية منوطة دستوريا بشخص الرئيس.. وبإمكانك أن تصطف إلى جانبه "لترقيع" العور والبهذلة الحاصلة في أداء سفاراتنا في أكثر من 50 دولة.

"عربي21"