السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٤ صباحاً

حكايات من تعز ( صديقي المقاوم )

موسى المقطري
الثلاثاء ، ٢٧ اكتوبر ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٥٢ مساءً
في تعز تتعدد الحكايات ، لكن أبطالها هم أبطال في الواقع وليس في القصة فقط .

تعز هي حكاية صمود ، وأسطورة نضال منذ الأزل ، وما سأذكره عن صديقي هي صفحة من ذلك السِفر .

عرفته منذ سنوات وعملنا سوياً ، وحين هاجمت المليشيات تعز هجر وظيفته وهواياته ومنزله والتحق بالجبهة في الصف الأول حاملا سلاحه ، وهمته ، وفي يده كفنه .

في يوم مشمس التقيته في شارع جمال بعد انقطاع أشهر كان خلالها يحمي اليمن من همجية الغزاة ، وعبث المليشيات .

عرفته على الدوام أنيقا يلمع شعره ، وربطة العنق تزيده جمالا حين يرتديها ، يحمل جهاز الكمبيوتر المحمول على كتفه ، لكني اليوم التقيت به صدفة أشعث أغبر ، يعلو الغبار ثيابه ، ويعفر لحيته الأنيقة .

عانقته عناق الغائب ، ولم أساله عن حاله لكنه أدرك من نظرة عيني ما يدور بخاطري ، ومبتسما كالعادة اخبرني اني جاء لتوه من إحدى جبهات المقاومة .

تحادثنا للحظات عن أحوالنا وأدركت كم أنا صغيرا أمام هذا العملاق الذي يصغرني بسنوات عدة .

صديقي المقاوم ينحدر إلى محافظة عمران ولا يهمه من أي سلالة هو ، ولا إلى أي أسرة ينتمي .

لسنوات ليست بالطويلة عمل في تعز واستقر بها ولازال يتحدث معنا بلهجته الأصلية ، ولازلتُ أنا أطالب مازحا من يشاركنا الحديث أن يترجم لي !!

صديقي المقاوم تعرض للإصابة ثلاث مرات متفرقة ، نجا لكن آثار الجروح لازالت عليه واخبرني أن كثيرا من رفاقه ارتقوا شهداء بجانبه .

صديقي يختصر حكاية المقاومة ، أنها مشروع لحماية اليمن ككل ولا يهمه كانت في تعز او عمران او عدن .

سألني عن أخبار الجبهات وأسرار تأخر الحسم وقرأتي للمشهد الحالي ولسان حاله يقول :
نحن في الجبهة نحمل البندقية ولا وقت لدينا لقراءة ملخصات الأخبار ، ولا متابعة لقاءات المحليين على القنوات ، نحن نصنع الحدث وللقاعدين في الزوايا أن يحللوا ، ويتوقعوا ، ويكتبوا خواطرهم .

أذهلني هذا العمق في النظر للمقاومة كمشروع تغييري بعيدا عن حسابات الساسة ، وصدمني صديقي الأشعث الأغبر – الذي كنت أعهده ملكا للأناقة – وهو يحدثني عن انجازات المقاومة في جبهته وبدا لي وقد علمه الحدث علوم الكر والفر ، والهجوم والدفاع ، وأشياء أخرى يجيدها المقاومون .

كان ودي أن أتحدث كثيرا مع صديقي المقاوم لكنه كان على عجلة من أمره ، فهو على موعد ليرى زوجته وأولاده الذين غاب عنهم منذ أشهر ، ثم ليعود إلى مترسه وبندقيته .

لا أخفيكم .. تمنيت أن ينجيه الله لنحتفل سويا بالنصر ، ولأظل ممتنا لكل ما قدمه صديقي المقاوم ، ويقدمه المقاومون في كل الجبهات .