الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠١ مساءً

حانت ساعة الحقيقة في اليمن

عمر عبد العزيز
الاثنين ، ٠٩ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:٣٨ صباحاً
في مثل هذه اللحظة من تداعيات الحرب في اليمن يحرص الكثيرون على معرفة الوضع الراهن للسجال بمستوييه الميداني العسكري، والسياسي المبثوث في تضاعيف المستقبل القادم، ومن هنا وجب القول بمشروعية وراهنية هذا التساؤل المهم، بل وبضرورة تقديم مقاربة أساسية تمازج بين التوصيف الميداني الواقعي من جهة، والمآلات المُحتملة من جهة أخرى.
وبهذا المعنى يمكن إيجاز الوضع الميداني الراهن على النحو التالي:
كامل المحافظات الجنوبية خارج نطاق سيطرة تحالف صالح والحوثيين باستثناء جيوب صغيرة لا تكاد تذكر في منطقة بيحان في محافظة شبوة، وربما في الحالة الغامضة العائمة بمدينة المكلا التي يتغول فيها القاعديون بدعم ضمني ومريب من مؤسسة صالح المافياوية. لكن هذه الحالة المكلاوية محاصرة بتفاهمات محلية تسعى لتجنيب ساحل حضرموت أن يكون طرفاً مباشراً في الوضع الميداني المحتدم في بقية المناطق، مع اعتماد فكرة النأي بالنفس عن أسباب الحرب، لكن ذلك لن يضمن الأمن والأمان للمكلا، بل سيحولها إلى مطمع مؤجل لصالح وحلفائه المراهنين على العمق الحضرمي الأكبر جغرافياً في اليمن..
غير أن الوقائع تثبت يوماً بعد آخر استحالة السيطرة على حضرموت عبر تنظيم القاعدة كما يستوهِم المستوهمون.
على خط متصل تخلو بقية محافظات الجنوب من وجود عسكري مؤثر لصالح والحوثيين، والحديث هنا يطال عدن وأبين والضالع وحضرموت والمهرة وشبوة.
وفي المحافظات الشمالية تواجه تعز أشرس حملة ميليشياوية مجرمة وتلقى مقاومة باسلة نادرة المثال، فيما تسيطر المقاومة المدعومة من الحلفاء العرب على أغلب مناطق تعز وضواحيها، وينطبق ذات الأمر على امتدادات باب المندب في منطقة ذباب، وعند تخوم ميناء المخا، وعلى مرمى حجر من ميناء الحديدة الأكبر على البحر الأحمر.
وعلى خط المحافظات الشمالية تخضع مأرب للمقاومة الشعبية والجيش الوطني، وبدعم وافر من قوات التحالف العربي، فيما تتهاوى الجوف وصرواح لصالح المقاومة والشرعية، في المقابل تستمر المقاومة الباسلة في مدن عديدة أبرزها البيضاء ورداع ويريم.. في ذات الوقت الذي تتزايد فيه أساليب الرفض المتنوعة لتغول الحوثيين وصالح في كامل إقليم آزال الذي يضم حصراً صنعاء الكبرى وعمران وحجة وصعدة وذمار.
مما سبق يمكننا استنتاج المساحة الإجمالية الافتراضية لسيطرة الشرعية والتي أراها في حدود ٤٥٠ ألف كم مربع من أصل ٥٥٥ ألف كم مربع كمساحة إجمالية لليمن، وهذا الرقم تقديري من جهة، كما أنه يتمدد لصالح الشرعية والمقاومة، وليس محسوباً على أسس إجرائية رياضية، بل من خلال المتغير اليومي في ساحات المعارك.
إذا أضفنا لكل ذلك استمرار الحصار البحري والبري والجوي ضد الميليشيات وأسباب استمرارهم، يمكننا في هذه الحالة تقدير الخريطة الميدانية في تحولات الحرب ومآلاتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التحالف العربي يزداد متانة وفاعلية من خلال المعطيات التالية:
الاستمرارية المقرونة بالثبات والتؤدة لضمان النصر دونما مجازفات غير محسوبة.
الميزات النسبية المطلقة للتحالف في كامل المستويات العسكرية واللوجستية، وما يتبعها من حضور مشارك فاعل للمقاومة والجيش الوطني اليمني.
تترافق حملة عاصفة الحزم بحملة إعادة الأمل، والتضامن الجماهيري الواضح مع قوات التحالف وحملة إعادة الأمل، وهو ما يمكن ملاحظته في مختلف المناطق المحررة من ميليشيات الحوثي وصالح.
استمرار الإجماع العربي والدولي.. ترافقاً مع مرجعيات المبادرة الخليجية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي المجير على البند السابع.
الجهود السلمية المبذولة من قبل الكثيرين لا تتعارض من حيث الجوهر مع المرجعيات المشار إليها سابقاً، وهو ما يزيد من محاصرة الانقلابيين الرافضين سياقاً وفعلاً لتلك المرجعيات.

إضافة إلى كل ذلك فإن العامل الأكثر أهمية وتحديداً للمستقبل فيتمثل في العمل العسكري الميداني بمختلف عناصره وأدواته، والإدارة السياسية الرشيدة بمختلف عناصرها وأدواتها، وهو ما يستدعي بعض المقترحات الجوهرية وأهمها:
- عودة المؤسستين الرئاسية والحكومية إلى عدن فوراً ومن دون تأخير، فبقاء القيادات الأساسية خارج الجغرافيا اليمنية يقدم خدمة مجانية لصالح والحوثيين، كما يحرج الحلفاء العرب.
- مساندة القيادات الميدانية في المناطق المحررة بما يتجاوز الدعم المادي، وتحديداً تشكيل مجالس مختارة من المساعدين لمحافظي المناطق لتسريع المأسسة، واستعادة الدولة المخطوفة، وتعميم القانون بقوة الشرعية القاهرة لا المستجدية.
- مواجهة المتطرفين والصعاليك والمرتزقة ولصوص المال العام دونما هوادة، وذلك عبر تشكيل غرف عمليات أمنية قانونية في كامل المناطق المحررة من ميليشيات صالح والحوثي.
لكن هذه التدابير لن تجدي نفعاً، ولن تكتسي قيمتها الحقيقية في غياب الرؤوس القيادية التي عليها أن تكون رؤوس الحراب في معادلة النصر ضد اللا دولة واللا نظام.
لقد حانت ساعة الحقيقة، وعلى من تحمّل المسؤولية أن يدفع الاستحقاق بشرف أو أن يتخلى بشرف، ولنا كل المثال الساطع في مشاركة إخواننا الخليجيين الذين دفعوا بفلذات أكبادهم في ساحة الوغى.

* الخليج الإماراتية