الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٦ مساءً

إلى بارونات الجنوب وعتاولة الشمال

وسيم شميس
الأحد ، ٢٧ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
بالنظر إلى العامل الثقافي والعنصري في الدعوة للانفصال التي يطلَّ بها علينا بعض الجهابذة والأوباش من الأبواق المأجورة فثمة حقيقة ماثلة للعيان إن كان هناك ذرة من العقل والمتمثلة في أن بعض الدول العظمى اليوم كانت يوماً ما قائمة على أساس الفصل العنصري أو التمييز بل ويمارس قانونياً ومجتمعياً وليس خلسة كما هو الحال في اليمن ونسوق مثلاً لذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تجاوزت ذلك الوضع بسبب وجود إرادة وطنية تمسكت بالدولة الموحدة وأدركت قيمتها وهانحن الآن في سباق مع الزمن ولكننا نتعامل بوهم زائف وكأن الانفصال قد أصبح أمرا واقعاً وهذه أيضا من مظاهر الكسل العقلي وسوء التقدير السياسي لا أدري كيف توصل بعض أطفال السياسة إلى هذه النتيجة الحتمية مجازاً؟ فهل أُجريت استطلاعات رأي لاستشراف مستقبل الجنوب؟ وبالمناسبة الثورة الشبابية الشعبية مؤخراً مع بعض عيوبها لم تقدم أي مؤشر يؤكد هذا الرأي الذي يمكن أن يكون قد روّج له دعاة الانفصال فاستطاعوا بيع الفكرة لنا جميعاً والغريب في الأمر أنه لم يعد يرتفع أي صوت يؤكد إمكانية بقاء الوحدة حسب ما يعشش في نفوس هولاء المهووسون بالقتل ( معتوهي قناة عدن لايف الالكترونية) ثم يقدم الحجج لمثل هذا الرأي بل العكس نلاحظ أن أكثر المنهمكون في تمرير مشاريع التفتيت صار يقنع بالمطالبة بأن يكون الانفصال سلمياً وقد يتحذلق البعض ويتحدث عن الانفصال السلس حد زعمهم.

والمؤسف حقاً وما لم نجده في مجتمعنا أن هناك بلدان أخرى عندما تصل الأمور إلى هذا الحد من الخطورة أو المخاطرة يعلن المثقفون حالة الطوارئ سباقاً للزمن وهذه الفترة تمثل اختباراً حقيقياً لمنظمات المجتمع المدني في المحافظات الجنوبية ومدى جديتها وكيف تضع أولوياتها فقد رأينا همة ونشاط بعضها ولكنها الآن غائبة وصامتة تماماً وأتمنى أن يكون هذا بمثابة نداء لليقظة وإدراك حجم الكارثة لدى صفوة المجتمع في الشمال وهذا يعني ضرورة الابتعاد عن الشعارات المبتذلة مثل الوحدة المعمدة بالدم وما شابهها من اكليشات خاوية المعنى لدى النُخب المثقفة التي تكتب بالمناكفة لغرض التلميع دون إدراكٍ منها لحجم التأثير السلبي فقد ظل الكثيرون يجترون الحديث عن الوحدة دون أن نلمس أي تجسيد لها في شكل تنمية أو تطوير للجنوب على أرض الواقع بل وأضيف إلى ذلك السماح رسمياً لبعض الأصوات النشاز بالدعوة للانفصال والعمل على فتح أغوار وجروح العنصرية والبغضاء ، وليدرك هولاء أن العالم الحديث يعيش عصر الكتل الكبرى ولم يعد هناك وجود للكيانات الصغرى خاصة المفتعلة والناتجة عن الصراعات الداخلية والتي كان يمكن حلها بقدر من العقلانية والرغبة في بناء وطن يسع الجميع تحت شروط جديدة تتوافق مع تطور العالم المعاصر كون طبيعة المرحلة الراهنة من التاريخ تفرض قيام كُتل اقتصادية ضخمة تسمح بالإنتاج الكبير كما تسمح بتطبيق الشعار البورجوازي الكلاسيكي ( دعه يعمل دعه يمر) ولكن هذه المرة تحت ظروف العولمة التي تسقط كل أشكال الحدود المادية والثقافية فالعالم حقيقة يتحول إلى قرية في الواقع وليس مجازا أو افتراضيا وفي مثل هذا التطور الذي يعيشه العالم تصبح الدعوة إلى إنشاء دول جديدة خاصة إذا كانت ضعيفة الإمكانات البشرية والمادية أقرب إلى نزوات الغضب والتصويت العقابي الذي يحدث في الانتخابات بقصد معاقبة حزب بعينه باختيار حزب آخر حتى وإن كان غير مرغوب فيه.

نعم نقوله صراحة ًلقد ظل التاريخ عبئاً ثقيلاً يحكم علاقات الشمال والجنوب وعجزنا جنوبيون وشماليون عن تحويل هذه التركة الثقيلة إلى دروس وعِبر نسترشد بها في صناعة مستقبل أفضل لنا جميعاً رغم ما نالته بعض النُخب في الجنوب والشمال من تعليم ومعرفة وتجارب وانفتاح على العالم وتطوراته إلا أنه ومع الأسف توقفت هذه النُخب عند أسوأ ما في التاريخ اليمني وهو العجز عن التفاعل والاندماج أو التعايش ثقافياً في دولة قائمة على حق المواطنة إذ لا يمكن إعفاء أي طرف من وجود شلل فاسدة وأنانية تعمل لمصالحها الخاصة فقط فالنخبة الحاكمة الشمالية همّشت الجنوب لكي تحتفظ بنصيب أكبر من السلطة وحتى الحروب كان لها بارونات وعتاولة وأثرياء استفادوا من استمرارها في الجنوب ومن ناحية أخرى لا يمكن أن تحكم العقد النفسية والمواقف الذاتية الضيقة مصائر شعوب وتهدر بالتالي الإمكانات الهائلة التي تجعل هذه الشعوب أكثر سعادة تقدمًا فالجنوبيون لم يتخلفوا عن العمل لذلك نظراً لثقافاتهم ولكن لان النظم السياسية المتتالية عجزت عن اجتراح طرق جديدة للتنمية المنتجة والمستقلة والعادلة فالقضية ليست عرقية أو عنصرية ولكنها عجز في الخيال السياسي وعدم القدرة على الانجاز الذي لازم النظم الحاكمة والتي شارك فيها كثير من الجنوبيين أيضاً وليس من باب السجال القول بأننا فقد فشلنا كلنا في بناء الدولة الوطنية الحديثة وحتى لم نذهب في طريق بنائها وذلك لأننا انشغلنا بتبادل التهم واللوم , فلابد من عقل جديد ونظرة جديدة تضع مصلحة الشعب في الجنوب والشمال فوق كل عقد التاريخ والمصالح الضيقة للنخب ولأنه في حالة الانفصال لن يفقد الشمال الجنوب ولكن سيفقد الجنوب نفسه ولا أقصد هنا أن الجنوبيين غير قادرين على حكم الجنوب كما يردد البعض ضانين أنه بمثل هذا القول يبرر عدم الانفصال ولكن أقول قولي هذا لأنه قد آن الأوان للتعامل مع المستقبل ووقف الانكفاء على الماضي والإمعان في التلاوم وتبادل الاتهامات , فنحن سوياً يمكن أن نبني وطناً موحداً صاعداً يحقق طموحات الجميع وفي حالات الانفصال سوف تتجاور الاصفار دولة الجنوب الفاشلة إلى جوار دولة الشمال الفاشلة وسوف نضيف إلى الدول الفاشلة دولتين جديدتين , فالوقت يمضي سريعاً ولا مجال لأي مماطلات ومناورات وجدل عقيم ولنبدأ بالحوار الصريح العميق ثم بخطة عمل قابلة للتنفيذ وتشرك جميع الفعاليات السياسية والإبداعية والمجتمع المدني والتفكير الجديد والتخلي عن أبجديات العنصرية و المناطقية التي صارت تحتل العقل السياسي اليمني والتي ترى أن الانفصال آت لا ريب فيه، فما هو الدليل القاطع الملموس على حتمية الانفصال؟وهل السياسة مغلقة بهذه الصورة ولا تعرف البدائل والاحتمالات؟ ولماذا لا تفتح القيادات السياسية والنخب في الجنوب والشمال الباب أمام بدائل مثل حكم الأقاليم في إطار الهوية الواحدة.

عن لقاء أنقرة الأخير في تركيا :
وعن الحديث أن ثمة مساعٍ سعودية لدعم تقارب وجهات نظر بعض القيادات المطالبة بالانفصال وحول اعتقاد البعض أن هناك أيادٍ سعودية تهدف إلى إيجاد كيان تابع لها على حدودها الجنوبية ليصد عنها موجات الهجرات البشرية من المحافظات الوسطى ذات الكثافة السكانية العالية فالغريب هو أن السعوديين سبق لهم أن وقفوا مع خيار الانفصال ضد الوحدة عام 1994، وموقفهم الجديد يثير التساؤلات لأسباب كثيرة ،ولهذا فإن الموقف المعلن للمملكة السعودية تجاه التطورات الأخيرة في اليمن عقب بروز الأصوات الانفصالية للعلن مؤخراً يؤكد علناً دعم وحدة واستقرار اليمن مع دعوة الأطراف المتنازعة إلى اللجوء للحوار وإصلاح الأخطاء تحت سقف الوحدة ، هذا الموقف تبناه مؤخرا الإعلام السعودي وشدد عليه على شكل حملة شارك فيها كثير من الكتاب وهناك مؤشرات ودلائل كثيرة من بينها أن السعودية نفذت فعلياً حملة اعتقالات بين بعض المهاجرين لديها من المؤيدين للحراك الجنوبي بينهم صحفيون وناشطون وسلمت بعضهم لصنعاء كما ضيقت على بعض القيادات الكبيرة وطلبت منهم الصمت أو مغادرة الأراضي السعودية ثم أن نظام الرئيس المخلوع وقع مع السعودية على اتفاقية شاملة للحدود بين البلدين وربما يسفر خيار قيام دولة جديدة في الجنوب عن فتح ملف الحدود مرة أخرى أو رفض القيادات الجنوبية لما تم التوقيع عليه في عهد الوحدة.