الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٠ مساءً

في مدرسة الكويت "ثورة الحجارة"..."النسخة اليمنية" تواجه الحوثيين

علي البخيتي
الاثنين ، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٢٦ مساءً
نعم حدثت ثورة في مدرسة الكويت بصنعاء، وأطلقت بوجهه صرخات استهجان عشوائية سرعان ما تحولت الى النشيد الوطني، نعم تم رمي محمد علي الحوثي رئيس السلطة الانقلابية بالحجارة، وليس بالأحذية كما زعم البعض، لكن الحجارة أبلغ من الأحذية بمئة مرة، انها ثورة الحجارة لكن في اليمن، وضد طرف سياسي محلي اغتصب السلطة عنوة بقوة السلاح.
لا يعرف الحوثيون معنى الشرعية، ولا يدركون أهميتها، وخطورة من يحكم بلد دون أن يمتلكها، لا يعرف الحوثيون أن بعض الرؤساء الغربيين يتم رميهم بالبيض وهم منتخبون ديمقراطياً وفقاً لأفضل المعايير، مع أنهم يمثلون أحزاباً وطنية، وجاءوا الى السلطة من أبوابها وليس من النافذة وعبر شلال من الدماء وعشرات الأطنان من الركام، فكيف بتيار ديني مذهبي ليس له امتداد على مستوى الوطن ووصل الى السلطة بانقلاب عسكري دموي؟.
***
جُمع الطلاب على عجل الى ساحة المدرسة، فهناك زائر مهم على وشك الوصول، لم يُكشف لهم النقاب عمن يكون، لدواعي أمنية، فرح الطلاب كعادتهم لأي مناسبة تخرجهم من الفصل الى الساحة، أعمارهم تحت سن 18 سنة، تداعوا سريعاً الى الساحة، بشكل أسرع بكثير من تداعيهم الى فصول الدرس، يحب أغلب الطلاب الخروج من الفصل لأي سبب، فالخارج أكثر حرية ورحابة من أربعة حيطان، فتوة الشباب، وعنفوانه، وطاقاته، تجعل من أربعة حيطان في الوعي الباطن للطلاب أشبه بسجن، والخروج منه لأي سبب سيكون أفضل حالاً من البقاء بداخله، هذا على الأقل ما يشعر به أغلب الطلاب.
وصل الزعيم المفدى، من يعتقد تياره أنه أصبح رئيساً للجمهورية، تعالت أصوات الطلاب المؤيدين للحوثيين بالترحيب، وصمت البقية الذين لم يهتموا بالأمر، وفضلوا أن يسمعوا ما الذي يمكن أن يقوله هذا الوافد على مدرستهم وساحتهم، والذي بسببه تم اخراجهم من الفصول.
***
بدأ الضيف في الحديث، استمع الطلاب جميعاً الى حديثة باهتمام، وسرعان ما شعروا أنهم أمام شاشة قناة المسيرة، وأن حيطان الفصل الأربعة أرحم مهما طال البقاء فيها، فلم يكن في خطابه ما يهمهم، أو ما يلفت انتباههم، أو ما يعالج مشاكلهم، لم يحدثهم عن الكتب المدرسية التي لم يتم صرفها، وكيف سيتم التغلب على المشكلة، وهل سيتم مساعدة غير القادرين على شرائها من السوق السوداء، لم يتحدث عن ما ينقص المدرسة، لم يتحدث في قضايا وطنية جامعة تشد أياً كان حتى من غير المنتمين الى تياره السياسي.
ببساطة وباختصار، فقد أعاد عليهم مقدمة قناة المسيرة، وظهر كعلي ظافر –مقدم الأخبار في القناة- جديد في ساحة المدرسة، مردداً الخطاب الممل المكرور عن المؤامرات التي تحاك على الوطن، ناسياً أنهم كتيار أهم الأسباب التي أدت الى نجاح كل تلك المؤامرات، التي حولت اليمن من بلد تحت الوصاية عبر المال والنفوذ السياسي الى بلد أكثر من ثلث مساحته محتل من جيوش عربية وافريقية، والثلث الآخر تنشط فيه وتسيطر عليه مجموعات مسلحة عديدة، بينها مجموعات متطرفة كالقاعدة، والثالث تحكمه مليشيات مسلحة انقلابيه.
***
صمت الطلاب علهم يسمعون مفيداً في وسط خطابه القصير، فاذا بهم يسمعون بعض زملائهم يرددون صرخة الحوثيين المعروفة بالموت والموت واللعنة، بدأ التذمر في الظهور عليهم، فقد تحملوا الرجل وهو يعيد قراءة نشرة المسيرة، وهم يجلسون في حر الشمس، لكنهم لم يتقبلوا أن يتم تجيير تجمعهم وجلوسهم على التراب والحصى وتعبهم على اعتباره تأييد للحركة الحوثية وشعارها ومعاركها وجنونها.
في الصفوف الخلفية، صرخ بعضهم بشكل عشوائيً مستهجنين المشهد الذي يجري إخراجه، وكاميرا قناة المسيرة تصورهم على اعتبارهم مع خيارات الحوثيين السياسية، تعالت الصرخات من البقية، في الوسط والأطراف، وسرعان ما وقف الطلاب على أقدامهم وانتظم الصراخ تلقائياً الى ترديد النشيد الوطني اليمني، كردة فعل طبيعية وعفوية على شعار الحوثيين السياسي، وكأني بهم يقولون لضيفهم الثقيل: مدرستنا ليست مقر لحزبك، ولا مسجد لتخطب فيه، عليك أن تحفظ النشيد الوطني قبل حفظك لمقدمة قناة المسيرة، وعليك أن تعرف أن هذا مقر للتعليم وليس مقراً للتعبئة الحزبية والمذهبية.
تواصل ترديد النشيد الوطني، وبدأ بعض الطلاب في رمي الحجارة باتجاه المنصة التي يخطب منها الحوثي، فتدخل أحد المدرسين وانهال بالضرب عليهم، محاولاً قمعهم، فكانوا يجلسون، وبمجرد أن يمر، يقفون مجدداً، وعصاه التي يبلغ طولها أكثر من متر تنهال عليهم كما هو واضح في المقطع، بينما من في المنصة يحاولون تهدئة ثورة الطلاب لكن دون جدوى، وظهر محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا في المقطع بشكل واضح بلبسه المميز وجثته الضخمة.
انتهى المقطع دون أن تظهر فيه نهاية هذه الثورة، لكن نهايتها كانت خروج الحوثي ومن معه على وقع ترديد النشيد الوطني في زفة أشبه بزفة العريس، لكن هذه المرة الى خارج البيت، عجزت قناة المسيرة والاعلام الحوثي عن بث المقطع كاملاً، وأكتفوا ببث جزء منه الى ما قبل ثورة الحجارة، ولولا كاميرا تلفون أحد الطلاب ما رأينا هذه الملحمة وهذا المشهد الذي سيبقى عالقاً في أذهان اليمنيين لعقود قادمة، وسيكتب عنه التاريخ أحرفاً من ذهب.
***
ما حصل في مدرسة الكويت بصنعاء يوم الأحد 22 نوفمبر 2015م درس بليغ، لكل الأطراف، فالحوثيون عليهم أن يدركوا أن انقلابهم لن يمر –حتى في محافظات الشمال- مهما غلفوه بالشعارات الوطنية، وعلى الأطراف الأخرى أن تدرك ان استدعائها للتدخل العسكري الخارجي كان خطأ فادح كذلك، وأن الحراك الشعبي السلمي لمواجهة انقلاب الحوثيين وحلفائهم واستيلائهم على مؤسسات الدولة كان أجدر وأقوى وأقل كلفة في مواجهتهم داخل المدن، لأنهم سيعجزون عن مواجهة حراك شعبي مليوني يعم المحافظات اليمنية كما عجزوا عن مواجهة مجموعة من طلاب مدرسة الكويت، فالسلاح يعجز أمام الصدور العارية والحراك الجماهيري الواسع والمنظم.
إضافة الى أن على خصوم الحوثيين في الداخل والخارج أن يعرفوا أن محافظات شمال الشمال ليست حوثية، وأن الغالبية فيها ضدهم، ولن يحصلوا فيها على 15 % في أي انتخابات قادمة، وأن التدخل العسكري الخارجي هو ما أضعف وأرهب صوت المعارضة في تلك المحافظات، إضافة الى العقاب والحصار الجماعي وتدمير المؤسسات الرسمية واستهداف المدن والمدنيين الذي مارسته العاصفة على مختلف المحافظات وبالأخص الشمالية، ومع كل ذلك وفي أول فرصة ستنتفض تلك المحافظات على سلطة الحوثيين كما انتفض ضدهم طلاب مدرسة الكويت الأبطال.
***
خرج الحوثي من المدرسة يجر أذيال الخيبة والانكسار، مع شعور بالصدمة والذهول، لا أعني الصديق وزميل السجن سابقاً محمد علي الحوثي لوحده، أعني تياره السياسي، بعد أن أعطاهم الطلاب درساً في الوطنية، وسيفكرون ألف مرة قبل أن يزوروا مدرسة أخرى داخل صنعاء، الا إذا تم الاعداد جيداً لزيارتهم وافراغ المدرسة من طلابها عدى المناصرين للحركة.
هكذا كان سيخرج الشعب الحوثيين من مختلف المحافظات اليمنية، بزفة شعبية، كما دخلوها بزفة ثورية، دون أن ندمر مدننا وتاريخنا ونمزق نسيجنا الاجتماعي، لو تم اعتماد الخيار السلمي –على الأقل في المدن- في مواجهة انقلابهم على السلطة وسيطرتهم على مؤسسات الدولة، ولا يزال هذا الخيار مطروحاً حتى اليوم لنجنب بقية المدن الدمار.

* مدونة الكاتب على شبكة الإنترنيت