السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٩ صباحاً

الحرب في اليمن: الآثار والأهداف

عبد الواسع الفاتكي
الاثنين ، ١٤ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٩:١٤ صباحاً
أصبح أمر إطالة الحرب في اليمن شراً، يتربص باليمنيين وعامل قلق يضاف إلى جملة من الصعوبات والهموم التي يعاني منها الشعب اليمني، لاسيما وأن الحرب تدور رحاها في كنف صراع إقليمي دولي بالغ الحساسية والخطورة والتوتر، ووفقا لحسابات سياسية معقدة، تجعل الحرب تستمر طويلا، إذا استمرت الفجوة وتوسعت بين الأطراف المتصارعة ومن يقف خلفها، وقد تضع الحرب أوزارها بجرة قلم وقرار سياسي إقليمي دولي، يتضمن الاتفاق على توزيع الأهداف والمصالح وتقاسمها في اليمن.
ينطوي اليمن في ذاته على شروط وعوامل اندلاع الحرب والعنف واستمرارهما، في مقدمتها الغياب الحقيقي لمؤسسات الدولة والبنية الاجتماعية القبلية التقليدية للمجتمع اليمني، وسهولة حيازة أدوات الحرب من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بل والثقيلة. ولذلك، لا يمكن عد أي حديث عن إطالة أمد الحرب تخرصا أو ضربا من خيال أو إفراطا في التشاؤم، فالمشهد اليمني متخم بتراكم الصراعات والتباينات السياسية اللاوطنية، زاد من تعقيدها تدخل أطراف خارجية، يظل لها حساباتها الخاصة التي غالبا ما تكون متعارضة مع أي حلول سياسية جذرية وعميقة، تضع اليمن على طريق الاستقرار والتنمية، ناهيك عن أن من شأن أي تدخل خارجي في الشأن اليمني من طرف ما أن يستدعي مثيله من طرف آخر، ما يجعل اليمن ساحة لتصفية حسابات بين أطراف خارجية، يدفعها صراعها مع الآخر؛ إلى مراكمة شروط استمراره وتجديد إنتاجه بشكل دوري.
سيولد استمرار الحرب ثقافتها ووقودها وأدواتها وقيمها، وسينتج واقعاً يتباين تماما مع الخريطة السياسية الطبيعية لليمن، ولن يكون في وسع الحوثيين، ولا حليفهم المخلوع علي عبدالله صالح، ولا الأطراف المناوئة لهم أو المجتمع الدولي، ضبط الأوضاع المتحركة فيه والسيطرة عليها، وهذا سيؤدي إلى ظهور قيادات وجماعات مسلحة من الصعوبة بمكان التعاطي معها بعد انتهاء الحرب، خصوصاً أننا في بلد يموج بالأسلحة والمسلحين اللذين لا يعترفون بماهية وقواعد اللعبة السياسية، والحوار معها يعتبر ضرباً من المستحيل، كما أن كل قائد حرب ميداني لن يفرّط بشرعية الواقع الجديد التي حصل عليها بحكم نشاطه القتالي، ولنا في سيطرة مليشيات الحوثيين، وحليفها المخلوع صالح، على مؤسسات الدولة، دليل ساطع وحجة دامغة، حيث اكتسبت شرعية الأمر الواقع، ولا تعترف بالشرعية الداخلية أو الدولية، وظهر ذلك في تعاملها مع قرارات مجلس الأمن الملزمة لها باستهتار. وعلى هذا الأساس، سنجد في اليمن عشرات الشرعيات التي ستعقد المشهد وتؤزمه أكثر مما هو عليه الآن.
تلاقي المصالح الأميركية والروسية والإيرانية المتمثلة في عدم انهيار الحوثيين بشكل كامل في هزيمة عسكرية ساحقة، يدركه الحوثيون جيدا، ويمنحهم قدرا من المراوغة والصبر على أمل إطالة الحرب، بما يفرغها من مضمونها السياسي، ويحرم خصومهم من جني ثمارها، فمليشيات الحوثيين والمخلوع صالح تفسر إطالة الحرب بأنه ناتج من مقاومتها وثباتها، والنصر فيها لا يقاس بالخسائر البشرية والمادية، وإنما يقاس بصمودها وعدم استسلامها؛ ولذلك، ترى أنه كلما طالت الحرب كان ذلك في صالحها، وهذا يتطابق تماماً مع مواقف دول كبرى كثيرة كأميركا التي تريد الحفاظ على التوازن العسكري بين الأطراف المتحاربة في اليمن؛ ليستمر القتال فترة أطول يسمح لشركات الأسلحة الأميركية، ببيع مزيد من الأسلحة للسعودية ودول الخليج الأخرى، وللحوثيين عبر وكلاء إيرانيين.
تشير الدلائل إلى أن صراع الإرادات الإقليمية الذي أصبحت اليمن مسرحه، وعدم امتلاك الأطراف المتحاربة في الداخل اليمني قرارها، فضلا عن افتقارها أي رؤية وطنية تنزع فتيل العنف والاحتراب، وتحول دون مزيد من التدهور والانقسام، يقود اليمن إلى مربع ما قبل الدولة والشعب والوطن، ومازال في الوقت متسع لأن يسمع اليمنيون صوت العقل، ويكفوا عن تدمير بلدهم بأيديهم، متجاوزين بواعث الكراهية وعوامل الحقد، وأسباب الفرقة والتمزق، تاركين أدوات الرعب والموت وراء ظهورهم، مستجيبين لنداء سلام الحرية والكرامة والعدالة لكل أبناء اليمن.

العربي الجديد