الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٢ صباحاً

اليمن والتعتيم الإعلامي

باسم العبسي
الاربعاء ، ١٦ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٤٥ صباحاً
لم نعد نفهم ما يجري من حولنا. اغتيالات وتفجير وقصف وقتل واختطاف وفقر وموت. هذا كل ما يتوفر حالياً في اليمن. لا شيء غير ذلك. سوق سوداء وأناس لهم مكاسب، الفساد لا يزال يفرض هيمنته، وبشكل أكبر وعلني وبكل وقاحة، ولسان حال القتلة يقول أرونا ما أنتم فاعلون.

أما الضعفاء وقليلو الحيلة من المحتاجين والمتضررين هم من تهان كرامتهم، وتداس إنسانيتهم، ويموتون جوعاً، ويشردون بعد أن كانوا أعزاء وتخلى عنهم الجميع، فلا أحد يلتفت إلى آلامهم، لا شرعية عبد ربه منصور هادي وخالد بحاح المجردة والتي أصبحت غير مستمدة من الشعب، ولا سلطة الأمر الواقع المستمدة من الميليشيات الإجرامية.

ليس لدينا حكومة تعرف جيداً معنى أن يسقط الناس بالمئات والآلاف في مجازر مروعة، ومازالت تمارس هذا السكون المريب. لدى السياسيين استعداد مرضي للعبور على جثث الشهداء في الطريق إلى مصافحة القتلة! يختار الرجال مصائرهم وسيقرأ أحفادنا في كتب التاريخ أن ساسة اليمن تخاذلوا مع الأبرياء ومع تعز عندما احتاجوا لهم.

ماتت الإعلامية جميلة جميل، ومات محافظ عدن جعفر، وهناك كثيرون ممن يتساقطون يومياً بصمت، من دون أن نعلم عنهم شيئا، حتى أصبحت الدماء تتوفر أكثر من المياه المتوفرة في خزانات الشرب. آلاف من المآسي والحال البائس والمؤلم لناسٍ كثيرين، ما يوصلهم إلى اختيار طرق أكثر إيلاما وقسوة. أصبح الناس يحلمون بسقف منزل صغير يستر عيوبهم ولقمة نظيفة غير ملطخة بالدماء وقليل من الماء بغض النظر إن كان نقياً أو ملوثاً.

لم يحمل الناس في بعض المناطق التي تحاول الميليشيات فرض سيطرتهم عليها آلة الفناء طرباً ولا زهواً، وإنما أجبر رجالها وطلابها على حمل السلاح في وجه الغزاة القادمين من الكهوف، كما الحال في تعز مثلا، فحمل السلاح لم يكن للتباهي والفخر والتعالي في المدينة الحالمة (تعز)، وإنما واجب إنساني في ظل ظرف استثنائي عصيب، بهدف حماية أنفسهم وحماية الأجيال القادمة من تسلط ثقافة الإذلال والتركيع والتبعية التي تمارسها الميليشيات الحوثية الإجرامية بأساليب عفاش في التحايل والمراوغة، وبأدوات ظاهرها الشراكة والوطن الواحد وباطنها الانقياد والطاعة العمياء للمركز المقدس.

ميليشيات الحوثي وصالح الإجرامية تحاصر المدينة وتقتل أطفالها ونساءها وتمنع عنهم الماء والدواء والغذاء وحتى أنابيب الأوكسجين، وتحاول أن تقنعنا أن العدو هو شخص آخر. في تعز وحدها لا يكاد يمر يوم بلا مجزرة جماعية للمدنيين، وبحسب ما تشير إليه بعض الإحصاءات، فإن عدد القتلى والجرحى من المدنيين يتحرك صعوداً كل يوم بلا نقطة نهاية واضحة.

ترتكب قوات صالح المنشقة وميليشيات الحوثي جرائم وانتهاكات خطيرة وجسيمة لحقوق الإنسان بحق مدينة تعز وسكانها، وخصوصاً استهداف الأحياء المدنية والأسواق الشعبية والمستشفيات والمرافق الصحية واستمرار الحصار والعقاب الجماعي.

يجب إيقاف تلك الممارسات ومعاقبة مرتكبيها، فتلك جرائم لا تسقط بالتقادم كون هذه الأفعال تعد انتهاكاً لقواعد القانون الإنساني الدولي ومواثيق حقوق الإنسان.

إن استمرار الحصار المفروض على السكان المدنيين والقصف الممنهج للأحياء المدنية في ظل الوضع الصحي والغذائي التي تمر به المحافظة يقود إلى كارثة سيصعب تداركها، وسيطال الجميع ضررها ما لم تكن هناك خطوات جدية على أرض الواقع، لإنقاذ المدينة وسكانها من خلال رفع الحصار وإيقاف القتل المستمر للسكان المدنيين.

تؤكد بعض وسائل الإعلام العالمية، بخصوص الأحداث في اليمن، أنها بين أطراف متنازعة، وتهمل العامل الرئيس الذي هو عدوان ميليشيا صالح والحوثيين ضد المدنيين. هناك تعتيم شديد على معظم أخبار اليمن عالميا، لا سيما في تعز، في حين أن ميليشيا صالح والحوثيين تواصل عدوانها وسط صمت رهيب على المستوى العالمي، ما يعطي إيحاءً بأن ثمة رضا دولي مفتوح لارتكاب المزيد، بانتظار صفقة وتسوية تعيدهما إلى الواجهة، على الرغم من أنف الضحايا وبلا مساءلة .

* العربي الجديد