الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠١ صباحاً

الحل في اليمن.. بين الطاولة والرصاصة

محمد جميح
الأحد ، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ١١:٣٤ صباحاً
تحاط لقاءات موفدي الأطراف اليمنية المتصارعة والتي بدأت منتصف الشهر الحالي بسرية كبيرة في مدينة بيل في سويسرا، وحرص المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ على أن تبتعد أجواء المحادثات عن الأضواء ليتسنى العمل بعيداً عن ضغوط وسائل الإعلام وفضولها. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يدور داخل كواليس هذه المفاوضات قد تسرب في جانب كبير منه إلى وسائل الإعلام.

يمكن القول بكل ثقة إن اليومين الأول والثاني من المحادثات قد انتهيا إلى لا شيء، في نهاية اليوم الثاني رفض الحوثيون عرضاً تقدم به المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ يصب في مجرى إجراءات بناء الثقة بين طرفي الحكومة الشرعية من جهة والحوثي وصالح من جهة أخرى.

قام هذا العرض على أساس فتح ممرات آمنة لإيصال المواد الغذائية إلى مدينة تعز التي تحاصرها قوات الحوثيين وصالح منذ شهور، وعلى أساس إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين لدى جماعة الحوثي، وعلى رأسهم وزير الدفاع اليمني، اللواء محمود الصبيحي، ووزير التدريب المهني والتعليم الفني الدكتور عبدالرزاق الأشول.

في نهاية اليوم الثالث تعلن الأمم المتحدة عن إنجاز فيما يشبه الاختراق ـ بالنسبة للمبعوث الدولي ـ تمثل في موافقة وفد الحوثيين وصالح على إيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة تعز، مع الإعلان عن استمرار المحادثات حول الأسرى والمعتقلين وبقية نقاط مسودة إجراءات بناء الثقة بين الطرفين.

اليوم هو اليوم قبل الأخير من هذه الجولة، التي سيرفع بعدها المبعوث الدولي تقريره إلى مجلس الأمن الدولي في جلسة استماع تعقد يوم الثلاثاء الموافق 22 من الشهر الحالي. انقضت الأيام الأولى وستنقضي هذه الجولة من المحادثات دون الخوض في القضايا الرئيسية المذكورة ضمن بنود القرار الدولي 2216 التي تخص تسليم السلاح، والانسحاب من المدن والأسرى، وغير ذلك.
هناك في تصوري مجموعة من العقبات التي تعترض نجاح محادثات جنيف، يأتي في مقدمة المعوقات أن الأطراف التي ذهبت للتفاوض تنطلق من أرضيات مختلفة، وأن هذه الأطراف تنظر لمصالحها السياسية الضيقة، وليس للمصلحة الوطنية للبلاد التي مزقتها الحرب.

يحاول الحوثي وصالح من خلال الجلوس على مائدة دولية للتفاوض، إرسال رسائل مفادها أنهم غير محاصرين دولياً، ويحاولون اكتساب مشروعية دولية عن طريق الجلوس تحت مظلة الأمم المتحدة، وذلك بالطبع هدف لا يتحقق بمجرد الجلوس جنياً إلى جنب مع الأطراف التي تمثل حكومة الرئيس هادي الذي يعترف به المجتمع الدولي، على الرغم من عدم اعتراف الحوثيين وصالح بشرعيته.

يريد تحالف الحوثي وصالح أن يكسب المزيد من الوقت، ويحاول إعادة ترتيب صفوفه، على أمل حدوث أمر ما في المستقبل القريب يمكنه من الصمود. يعول هذا التحالف على – ويسعى إلى دور – روسي في اليمن على غرار الدور الروسي في سوريا، ويحاول اللعب بورقة تنظيم القاعدة والإرهاب في البلاد، للتسويق لمشروعه الذي يحاول الإيهام بأنه يقوم على أساس محاربة الإرهاب، ليتسنى لهذا التحالف أن يكون جزءاً من التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وبذا يضمن بقاءه لمدة أطول، كما يراهن هذا التحالف على شق عصا التحالف العربي، وتتحدث وسائل إعلامه عن خلافات كبيرة بين الإمارات والسعودية على خلفية الحرب في اليمن، كما يتحدث عن خلافات داخل الأسرة المالكة السعودية بشأن هذه الحرب.

وأما الجانب الحكومي فإنه وإن كان سليم الموقف فيما يخص القرار الدولي الذي يصر على أن تكون المفاوضات في بيل على أساسه، إلا أن عدم استتباب الأوضاع الأمنية في المناطق «المحررة»، لا يظهره بالمظهر اللائق بدولة تستطيع أن تضبط الأمن، وتكبح جماح المنظمات المتطرفة، وتطمئن الجوار والعالم إلى قدرتها على بسط سيطرتها على كل المناطق التي خرجت من تحت يد الحوثيين وصالح. وهذه هي الورقة التي يلوح بها الحوثيون ضد حكومة الرئيس هادي، عندما يتحدثون عن عدم قدرة حكومته على أن تكون شريكا في محاربة الإرهاب، وانهم ـ أي الحوثيين وصالح ـ هم الجهة اليمنية التي يمكن أن يعتمد عليها في محاربة التنظيمات الإرهابية.
وفوق كل تلك التعقيدات في مسار المحادثات، فإن الهدنة التي أعلنت الأطراف المختلفة احترامها قد تم خرقها منذ الساعات الأولى لإعلانها، مع تبادل الاتهامات من قبل الأطراف المختلفة في خرقها.

وقد تم خلال اليوم الثالث من الهدنة تقدم عسكري مهم لصالح القوات المؤيدة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في محافظة مأرب، حيث تم الاستيلاء على معسكر «ماس» الاستراتيجي، وزحفت قوات هادي إلى مفرق الجوف وسيطرت عليه، ما يعني عملياً خنق الحوثيين المتواجدين في مدينة الحزم، مركز المحافظة، والتي حاصرت المقاومة فيها معسكراً آخر مهماً للحوثيين، هو معسكر «اللبنات» القريب من عاصمة المحافظة، قبل أن تسقطه يوم الجمعة الماضي، مع ورود أنباء عن زحف لقوات من التحالف والجيش المؤيد لهادي على مدينة حرض من الشمال، بالإضافة إلى السيطرة على ميدي وعدد كبير من جزر البحر الأحمر، ما يعني تضييق الخناق على الحوثيين، في الهضبة الوسطى، وتسريع وتيرة الحل التفاوضي لتسليم صنعاء، أو انتفاض قبائل حزام صنعاء ضد الحوثيين، بعدما رأوا من هزائم متلاحقة لحقت بهم خلال الأيام الماضية، وهو ما سيمهد الطريق إلى العاصمة التي تعني استعادتها انتصاراً كبيراً لقوات التحالف والشرعية في اليمن.

وبين احتمالات الحل السياسي، وتشابكات الحل العسكري، يبدو أن الحلين يكملان بعضهما، إذ لا يوجد حل عسكري دائم للقضايا السياسية، ولكن الحل العسكري يفضي إلى وجود حل سياسي، ربما تشهده البلاد خلال الفترة القادمة إن كتب لها أن تخرج من عنق تلك الزجاجة الذي طالما وعدت المكونات المختلفة بالخروج منه.

"القدس العربي"