السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣٧ صباحاً

جدل المفكرين والمشائخ

محمد العميسي
السبت ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٢:٠٠ مساءً
جدل المفكرين والمشائخ
من يبحثون عن اسقاط دور الأخر من المختلفين معاهم في فهم الدين هم فقط يحاولون اسقاط دورهم والتفرد في توجيه الشارع. لا تصدقوا كائنا من كان حين يقول نحن نريد تحرير الدين من علمائه والمتحدثين بإسمه.

حتى لو افترضنا أن الدين مجرد فكرة لشخص أدعى انه من الله وماهي الا بعض افكاره هو. فسنكون أمام معظلة لايمكن التغلب عليها. فقد حصلت إبادات مخيفة في التاريخ ضد اتباع الديانات ولم تنجح اي قوة من حرف اتباع الديانات عن دياناتهم إلا بإحتوائها. حتى في أوروبا التي عانت أشد ما يكون من دور الكنيسة السلبي لم تنجح الا بإحتواء دور الكنيسة بل أن بابا الفاتيكان اصبح ذو سلطة معنوية تصور للشارع على أنها اعلى سلطة حتى أن سلطته فوق سلطات الدولة ذاتها فاعتبر الناس أن دينهم بأمان واستطاعت الدول في ذات الوقت ان تستخدم الدين كوسيلة توجيه لتحقيق أهدافها.

مرت عشرات آلاف السنين ولم يزل اصحاب الديانات متمسكين بدياناتهم ومستطيعين لبذل حياتهم في سبيلها.
والله حين انزل هذه الكتب وهذه السلطات الفكرية على عقول البشر لم يتركها دون قيود. فعليك أن تكون عالما بتفاصيل هذا الدين أو أن تسئل وتتقيد بتشريعاته والتي تعود فيها لمن يعلم تفاصيله.

لذا قال الله 《وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)》.

لكننا نحتاج إلى معايير للحصول على لقب شيخ أو فقية ونحتاج الى معايير لمن يتصدر للفتوى تضبط الشذوذ عن الحق والعدول عن المسار الصحيح.
أما أن نقابل الخطأ من بعض المشائخ بخطأ فما الفرق بيننا وبينهم.

الا يعلم من يحاول الغاء الاخر من مشائخ وعلماء أنه يدعوا لان يكون هناك ملايين المشائخ والمفتيين كلا يفتي حسب مزاجه وكلا يفهم بحسب حاجته. وهذا سيحول دون القدرة على توجيه الناس في الاتجاه الصحيح ومنع التطرف.
اذا كان التطرف بالاساس قد نشأ بسبب عدم وضع معايير للفقهاء والمشائخ فكيف سيكون الحال حين يصبح العامة كلهم مشائخ وفقهاء.

لا أرى في هذا الجدل العقيم الذي يقوده بعض المفكرين الا تطرفا وعدم وعي.

دققوا في المجتمعات الناهضة كيف أحتوت دور المسجد أو الكنيسة أو اي دار عبادة وكيف أطرت الدين وقيدت إستخدامه.

كلنا يعلم أن الدين سلاح فتاك. فتخيل ترك مخزن السلاح للعامة ثم مطالبتهم بعدم استخدام هذا السلاح. كل من سيحصل على بعضه سيعتقد أنه بلغ منتهى العلم والقوة وستتشكل من جديد جماعات وطوائف ومسارات خاطئة.

العدل في الموضوع أن يقيد الدين -كونه مصدر تشريع يثق فيه الناس ويتبعوه اكثر من القانون نفسه وسيستحيل ارغامهم على عدم اتباعه- يقيد بضوابط تخدم مصلحة الدولة والمجتمع. واتحدث هنا عن دولة مستقرة وعادلة لا دولة ديكتاتور. فحين نعالج قضية ينبغى أن نبحثها قياسا على وضع مثالي للدولة وليس وضع الفوضى.