الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٦ مساءً

سنوات الشر

ماجد عبد الهادي
الخميس ، ٣١ ديسمبر ٢٠١٥ الساعة ١٠:١٣ صباحاً
كل سَنَةٍ وأنتم ناجون من شرّها. كل عامٍ وأنتم منغمسون في خيره.

تستحق هذه المنصرمة اليوم أن تُسمى سَنَة، ولا يجدر بها أخيراً سوى أن تنصرم، بل أن تغرب عن وجوهنا، غير مأسوفٍ عليها، كما يستحق ضحايا أحداثها القاسية أن يحلموا، في ليلة رحيلها، بأن يكون المنتظر قدومه غداً، عامَ رخاءٍ خالياً من الأحزان.

تلك عبارات من النسج على منوال تفريقٍ درج عليه العرب، منذ القدم، بين السنة والعام، مستندين إلى اعتباراتٍ فلكيةٍ ولغويةٍ ودينيةٍ عدة، لعل أهمها الاستعمال القرآني الذي جاءت فيه السنين، غالباً، للشر، والأعوام للخير؛ "فلبث في السجن سبع سنين".."ثم يأتي من بعد ذلك عامُ فيه يُغاث الناس، وفيه يعصرون".

لكن ثمّة، برغم ذلك، اختلاف في الاستخدام جوهري، يميز لغة أسلافنا التي بها أُنزل كتاب الله، عن لغتنا المعاصرة؛ هم كانوا يكتفون بتفريقٍ يقتصر على الاسم، ونحن نلوم السنين نفسها، ونمدح الأعوام، إن صادفتنا وصادفناها، لكأنها هي التي تفعل الشر أو الخير، فلا يكاد يحل اليوم الأخير من سنةٍ كهذه التي توشك على الأفول، حتى نتبارى في الشكوى ممّا ألحقته بنا، ونشتمها بلا حساب، متغافلين غالباً عن أولئك الذين جعلوها على ما هي عليه.

في القرآن الكريم، مرة أخرى، جاء ذكر السنين والأعوام مقترناً بالإشارة إلى ما استدعى تسمية كلٍّ منها باسمه المختلف؛ "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون".
علينا، إذن، ولاعتباراتٍ قد يكون أقلها التزام معاني اللغة، وأهمها صدقنا مع أنفسنا، ومع تاريخنا ومستقبلنا، أن لا ندع سنة 2015 تمر، من دون أن نفضح الظالمين الذين لم تنقرض سلالتهم بعد طوفان نوح، وظهروا على مدى حقبٍ لاحقة، ليعيثوا في الأرض فساداً، وما زالوا إلى اليوم، يجعلون من زماننا سنين تزيد بأضعاف مضاعفة عمّا فيه من أعوام نادرة.

عن بشار الأسد أتحدث، وعبد الفتاح السيسي، وعلي عبد الله صالح، وعلي خامنئي، وحسن نصر الله، وأبو بكر البغدادي، وقاسم سليماني. عن فلاديمير بوتين، أتحدث، وباراك أوباما، وبنيامين نتنياهو، وكل المتحالفين معهم، والمتواطئين، والمتخاذلين. عن جيوش هؤلاء، أتحدث، وطياريهم، وجنودهم، ومرتزقتهم، سواء كانوا يقصفون الناس بصواريخ موجّهة بالليزر، وببراميل متفجرة، أو يقطعون رؤوسهم بالسكاكين. عن القتلة جميعاً، أتحدّث، يستوي منهم الذي يقتل ضحاياه في شوارع الخليل، وحلب والموصل، وعدن، والجيزة، والرمادي، وبنغازي، مع الذي يحكم عليهم بالإعدام في محاكم صورية، أو يميتهم تحت التعذيب، ووراء جدران السجون والزنازين، في القاهرة والقدس ودمشق وبغداد وصنعاء.

نعم، ليست السنين هي الشريرة، ولا الأعوام هي الخيّرة. ليست هي من ينبغي هجاؤه أو مدحه، بل صانعو الموت فيها، ومدمنو السلطة المطلقة، ولصوص المال العام، أولئك الذين حالوا قبل خمس سنين، من دون أن يكمل الربيع العربي ما كان يمكن تسميته أول عام في تاريخ العرب منذ عقود، فانقضوا عليه بكل ما يملكون من أسلحة، وحولوه إلى حروبٍ أهلية مدمرة، ثم واصلوا طوال سنة 2015 حروبهم الشعواء، لسحق كل زهرةٍ نجت، قبلاً، من دوس جنازير دباباتهم، وأحذيتهم الثقيلة.

مع قدوم 2016 يظل الحلم مشروعاً بعام من الخير، لا سنةً من الشر. ولكن، بعيداً عن أي أوهام بعودة الأنبياء الذين يخلّصون المظلومين بأفلاكهم، ليتركوا الظالمين للغرق، وبعيداً كذلك عن أية أوهام باستيقاظ الضمير الإنساني العالمي، ليحقق لنا العدل المنشود. ما زال علينا وحدنا يقع عبء بناء السفن، وعلينا وحدنا تقع مسؤولية صنع الطوفان أيضاً، إنْ أردنا عاماً ننجو فيه، ويغرقون.

"العربي الجديد"