الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٢ صباحاً

السؤال الذي حيَّر السعوديين

حبيب العزي
الاثنين ، ٠٧ مارس ٢٠١٦ الساعة ٠٣:٣٠ مساءً
تزايدت، مؤخراً وتيرة الجدل، بين أوساط مواطنين سعوديين عديدين، وخصوصاً في الدواوين والمجالس الخاصة، حول جدوى المواجهة التي تخوضها بلادهم، في كلِ من سورية واليمن، وما يمكن أن تشكله من تبعات ومخاطر على استقرار بلدهم في المدى المنظور، بحال استمرت فترة طويلة، لا يُعلم مداها على وجه الدقة حتى اللحظة، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي، الذي بدأ يلامس على ما يبدو حياة المواطن العادي، وإنْ بشكل خفيف، لا يتجاوز قرصة الأذن البسيطة.
ذاك الجدل الذي تمخَّض عنه سؤال كبير، كان قد أبرزه الكاتب السعودي جمال خاشقجي، عنواناً لأحد مقالاته قبل أيام، "هل هناك ما يستحق المخاطرة؟"، وهو سؤال بات يسأله اليوم قطاعاً واسعاً من السعوديين، وصفه الكاتب بأنه "يمثل تياراً حقيقياً بين السعوديين، يجب أن نعترف به"، وهو ما عزا أسبابه إلى "غياب خطاب تعبوي، يلغي هذه الشكوك، ويعزّز الثقة بما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه"، على حد قوله.
السؤال بحد ذاته أمر مشروع بطبيعة الحال، ومن حق المواطن السعودي أن يشعر بالقلق، حيال أي خطر يُحِس بأنه قد يتهدد أمن بلده واستقرارها، وذاكَ طبيعيٌ وفطريٌ لا جدال حوله، لكن المزعج في هذا السؤال، هو الطريقة التي تمت صياغته بها، إذ أنه "بصيغته الحالية" أعطى انطباعاً سلبياً عن المواطن السعودي الذي بدا كأنه لا يفقه شيئاً مما يدور حوله، أو أنه مغيب عن الواقع الذي يعيشه، وعن المؤامرات التي تُحاك ضد بلده، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، بدا من السؤال وكأن هذا المواطن لا يثق بقيادته السياسية الحالية، ولا بالقرارات التي تتخذها، في مواجهة تلك الأخطار والتهديدات، وهذا خطأً كبير، لا يجوز تعميمه على كامل الشعب السعودي الذي لا شك بأنه يثقُ اليوم بقيادته أكثر من أي وقت مضى.
الجواب على السؤال بصيغته الحالية ستكون قطعاً "نعم"، نعم هنالك ما يستحق، ولكن من دون أن نستعمل كلمة "المخاطرة" في جوابنا، فهي لم ترد بسياقها الصحيح، عند بناء السؤال ابتداءً، إذ تعني المخاطرة أنك تجازف وتغامر في شيء لا تُدرك حجم تداعياته عليك، والقيادة السعودية الحالية ليست كذلك قطعاً، فهي تعي وتُدرك ما تريد، بل هي اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لما تريده أكثر من أي وقت سابق، وهذا جوهر السبب الذي أزعج عواصم الحلفاء في الغرب، قبل الأعداء، مثل واشنطن ولندن وغيرها من العواصم الغربية، وهو كذلك سر الهجوم الشرس الذي تمارسه اليوم على المملكة معظم وسائل إعلام تلك الدول.
الثقة بقيادة المملكة العربية السعودية الحالية، ودعْمها في توجُهاتها الجديدة، كما ودعم تحالفاتها، وخصوصاً مع تركيا وقطر، أمر مطلوب ومُلح، بل وواجب وطني وقومي، ليس على الشعب السعودي وحسب، ولكن على كامل شعوب الأمة العربية والإسلامية، إذ ما تقوم به المملكة اليوم من صَدّ للتغوُّل الفارسي في اليمن وسورية، ومواجهتها مشروع إيران الطائفي في المنطقة، إنما هو دفاع وذود عن الأمة ككل، وهي بذلك تقوم بواجبها الذي كان عليها القيام به، طوال العقود الماضية، بحكم مكانتها الحضارية، وموقعها الجيوسياسي، في كامل المشرق العربي.
المُخاطرة الحقيقية أن تظل العربية السعودية ترهنُ قرارها بيد غيرها، ومعها باقي دول الخليج والمنطقة عموماً، وأن تركن مرة أخرى على حلفائها الأعداء، وأولهم الولايات المتحدة الأميركية، حليفتها التقليدية منذ خمسينيات القرن الماضي، التي طعنتها في الخلف، عند أول صفقة لها مع إيران، عبر اتفاقها النووي معها في العام المنصرم.
هل يُدرك كل من يسأل هذا السؤال، ومن يروِّج له داخل المملكة وخارجها، أنه لو لم تتدخل المملكة في اليمن بعاصفة الحزم، لما كان لها اليوم أي دور أو قرار فيه، ولبات القرار للمرشد الأعلى ولولي الفقيه، بل وأكثر من ذلك، لكان اليوم يسرح ويمرح في اليمن كل أصحاب العمائم السوداء والبيضاء، وطالما وأن الأمور استتبت لهم في صنعاء وباقي المدن اليمنية، من دون أن يجدوا رادعاً يردعهم، فما المانع إذا أن نراهم بعد عدد من السنين، يسرحون ويمرحون في الرياض، وقد أصبحت عاصمة ثامنة أو عاشرة لولي الفقيه؟
أليس ما حلَّ بجارك .. حلَّ بدارك؟