الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٧ صباحاً

أن يتحول التاريخ مترسا

فيصل عبد الرحمن الذبحاني
السبت ، ٣٠ ابريل ٢٠١٦ الساعة ٠٧:٢٨ مساءً
اليمن البلد المشبع بالتاريخ , المكدس بالقلاع والأماكن والمدن الأثرية. والتي في غالبيتها المطلقة تكون على روْوس الجبال وعلى التباب المرتفعة نظراً لطبيعتها العسكرية. هذه التباب تشرف بمعظمها على طرق استراتيجية , ومدن , وقرى مهمة على الأقل في أيام نشأتها وبنائها , انتهت أدوار هذه القلاع والحصون الحربية ; بعد تغير الخطط العسكرية , وتطور السلاح الحربي وتطور إمكانياته التدميرية ; لهذا فقدت هذه القلاع والحصون قيمتها العسكرية فأصبحت تاريخاً يروي لنا الكثير عن ماضينا الذي كان , ولأجل هذه القيمة التاريخية , ولأن التاريخ ليس مجرد حجر أو قطعة ورق أو جلد , بل سيرة وسجل توثيقي وجزء لا يتجزأ من كينونة أي شعب وأية أمة , ويمثل جزءاً من هويته وثقافته , فقد كان هناك التفات إنساني عالمي , قائم على الدعوة للحفاظ على كل المواقع التاريخية , وإبعادها عن دائرة الصراعات والحروب واستخدامها لأغراض عسكرية لأي سببٍ كان بغرض حمايتها من الأضرار المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن استخدام الأسلحة , وتجنيبها القصف والتدمير , وقد وقعت الدول المشاركة في الأمم المتحدة، اتفاقية خاصة تلزم جميع الدول، حماية المواقع التاريخية وتجنيبها أية أضرار نتيجة قيام حرب من أي نوع , وقد تم التفاهم على اتفاقية( حماية الملكية الثقافية في حال نشوب صراع مسلح ) في 7 اغسطس 1954 , وأصبحت نافذة في 14 مايو 1956 .
وإذا ما عدنا لليمن , فإنه وخلال العقود الماضية , عانت هذه القلاع والحصون والمدن التاريخية، الكثير من الإهمال وعدم الاهتمام , من قبل الحكومات المتعاقبة على حكم البلد , فانهار بعضها وصمد البعض الآخر , و كانت كارثة الكوارث إستخدام هذه القلاع والحصون من قبل الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد , كثكنات عسكرية . قد يبرر البعض بأن الثكنات هي لحماية هذه المواقع الأثرية , من العبث والسرقات والتخريب من قبل عصابات ومهربي وتجار الآثار . قد نقبل هذا التبرير قبل الحرب, لكن استخدامها أثناء الحرب الدائرة الآن في البلاد، سبب لها أضراراً جمة بل إن بعضها دمر بالكامل , وتحول إلى أثر بعد عين.
والشواهد كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر. قلعة القاهرة في تعز. والتي تمثل رمزية المدينة وايقونتها وأكثر المواقع الأثرية شهرة فيها. تحولت في زمن الحرب على أيدي اتباع صالح واتباع الحوثي إلى برج مراقبة عسكري يتم من خلالها اصطياد المدنيين وقتلهم. ومركز عسكري لقصف المدينة يومياً بالهاونات ومضادات الطيران بشكل مباشر ولمدة أشهر طويلة، هذه القلعة، لم تصم عن القتل يوماً واحداً. فصارت في أذهان الناس مركز الموت، حتى قصفها طيران التحالف بسلسلة غارات جوية عنيفة، وتدمر جزء منها واسكتها لفترة عن القتل المجاني للمدنيين، وبعد مدة ليست بالبعيدة سقطت هذه القلعة بيد المقاومة، وحولتها لذات الشكل العسكري، فرد صالح والحوثي بقصفها أيضاً، بطبيعة الحال نحن لا نبرر قصفها من أي طرف كان, ونقول بجرمية تعريضها للدمار , سواء من قبل من استخدمها كثكنات عسكرية أو من دمرها بحجة أنها استخدمت كمواقع عسكرية - والحديث هنا عمومي، ولا يخص قلعة القاهرة لوحدها، بل يشمل كل المواقع الأثرية في كل البلاد - , ولأجل هذا فإن أطراف الصراع في اليمن، مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل الخراب الذي طال آثار بلادنا , وتتحمل المسؤولية التاريخية، والأخلاقية، عن كل ما أصاب تاريخ اليمن المادي من دمار , صحيح إنه لم يعد بالإمكانِ تجنيب بعض المواقع الدمار؛ لأنه فعلاً اما دمرت بشكل كامل أو شبه كامل , لكن الفرصة لم تفت علينا.،للحفاظ على ما تبقى من إرثنا، وتاريخنا , فكل من يقول بوطنيته ويعتز بيمنيته متفاخراً بإنتمائه للبلد من طرفي الصراع، عليه إخراج المواقع الأثرية من دائرة الموت، والدمار، من خلال تركها وعدم استخدامها كثكنات، ومتارس، مع العلم أن كل الأطراف اليمنية المتصارعة الآن، استخدمت هذه المواقع كمتارس وثكنات ومواقع عسكرية , ولو ترك كل طرف من أطراف الصراع المواقع الأثرية، وأبعدها من دائرة الاستهداف العسكري فإننا سنجنبها اندثاراً مراً. مما يعني أن نبقي على جزء مهم من التاريخ قائماً للأجيال القادمة.
والرسالة واضحة للجميع , تعاملكم بهذه الطرق السمجة مع التاريخ، لا يدل لا على وطنية، ولا على فخر بالانتماء للأرض والوطن، بل على العكس، لا فرق بين متمترس خلف التاريخ وقاصف التاريخ، فالكل في الجرم سواء , تاريخنا ليس مترسا ولا ثكنة عسكرية , تاريخنا ليس مجرد حجر ليتم نسفه بدم بارد , تاريخنا سلسة تربطنا بالأرض فلو قطعت هِمنا بين العالمين بلا هوية.