الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٦ صباحاً

حلب.. تعز.. الفلوجة حصونكم الأخيرة

نبيل البكيري
الثلاثاء ، ٠٣ مايو ٢٠١٦ الساعة ٠٣:٤٧ مساءً
ما تشهده مدينة حلب السورية من قصف عنيف وإجرامي غير مسبوق طوال الأيام الماضية والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 232 فرداً ، جلهم من طواقم ونزلاء مستشفى القدس أهم مستشفيات المدينة المتبقية، و هو القصف الذي يحاول حلفاء الحرب رمي بالتهمة كل على الطرف الأخر، في عملية أشبه بتبادل الأدوار، لم تكن هذه العملية الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل الاجرام الممنهج في حق هذه المدينة العظيمة التي تمثل اليوم أخر حصون العرب ” السنة” في سوريا صموداً في وجهة أعتى عدوان يطأ هذه البلاد منذ أكثر من نصف قرن.

حلب أكبر المدن السورية على الإطلاق من حيث عدد السكان ذي الأغلبية السنية البارزة، وواحدة من أقدم مدن التاريخ في بلاد الشام، وعاصمة سوريا الاقتصادية، هي المدينة التي صمدت رغم الحرب والحصار و الدمار في وجهة هذا الإجرام الإيراني الروسي الأمريكي تحت لافتة العلويين الحاكمين، حيث مثلت لهم حلب أهم تحدي لهذا التحالف الغاشم ضد حلب وضد ثورة الشعب السوري ككل منذ أزيد من خمس سنوات من أندلاع الثورة السورية.

لم تكن استهداف هذه الحرب صدفة وإنما هي حرب ممنهجة وواضحة تقضي بضرب حواضر الثورة و عواصم القرار الوطني وحوامله في كبرى مدن هذه البلدان من حلب سوريا إلى تعز اليمن ففلوجة العراق، هذه المدينة التي انكسر أمام أبوابها أعظم جيوش القرن ممثلا بالجيش الأمريكي الذي عجز أمام صمود وبسالة وبطولة أبناء الفلوجة فأوكل المهمة اليوم لجيش الحشد الشعبي التابع للحرس الثوري الإيراني لإخضاع هذه المدينة.
أما في تعز اليمنية، في أكبر مدن اليمن سكاناً و أكثرها تعليماً و تجارة و تحضراً، و أهمها من حيث البيئة الثورية المفعمة بالوعي الثوري الكبير بين أبنائها الذين مثلوا وقوداً للثورات اليمنية على امتداد قرن من الزمن، شمالاً وجنوباً، حيث كانت هذه المدينة قديمأً عاصمة لأهم الدول اليمنية في العصر الإسلامي وهي دولة بني رسول التي حكمت معظم شبه الجزيرة العربية وكانت قبلة للعلم والمعرفة والتنوير على مدى أزيد من قرنين ونصف من الزمن، لتمثل في بداية القرن العشرين الماضي، رافعة للمشروع الوطني اليمني الحديث، بفعل نخبتها السياسية التي كانت طليعة العمل الوطني في الشمال والجنوب.
أما اليوم وقد سقطت ثلاثة من أهم حواضر العالم العربي و الإسلامي وهي بغداد العباسيين و دمشق الأمويين وصنعاء “التبابعة” اليمنيين، وبيد مليشيات تابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني “الخميني” ، فإن هذه لكارثة تاريخية مزلزلة لم يسبق لها تاريخ العرب قديماً وحديثاً، بالنظر إلى هوة وعمق الصراع العربي الفارسي، على مدى قرون من الزمن، التي شهدت صراعاً عربياً فارسياً كبيراً كانت معركة ذي قار العربية الشهيرة أهم وأجلا تجلياتها على الإطلاق.
فالمشروع الإيراني اليوم، الذي يستهدف من خلال أذرعه الطائفية الاجهاز على الأمة العربية قاطبة، وتحت شعارات زائفه وكاذبة، وفي مقدمتها شعار “المقاومة” والممانعة للاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يفعل بالعرب وحواضره مثلما فعل المحتل الإيراني المتدثر تحت أردية الطوائف العربية لغة والإيرانية ولاءاً وعقيدة و أجندة.
لا يخفى على أحد اليوم، مدى القلق الذي بات يشكله المشروع الإيراني على مستقبل المنطقة والأمة العربية كلها، في ظل حالة الحرب الدائمة التي تشهدها المنطقة تحت شعارات طائفية عقيمة و ملتبسه، فيما هي حرب وجودية بين قوميتين يعيشان صراع وجودي على مدى قرون من الزمن، ولكن خطورة هذه الحرب اليوم، هي قدرة الإيرانيين على تسخيرها وخوضها تحت لباس عربي وعلى أرض عربية، وبأموال ودماء عربية كأول مرة في تاريخ صراعها الدائم مع العرب، وهذا في حد ذاته يمثل نجاحاً كبيرا للاستراتيجية الإيرانية في المنطقة.

وتبقى حالة الممانعة الشديدة و المقاومة الصلبة لتمددات هذه المشروع القومي الإيراني، المسنود غربياً، هي الحالة الوحيدة المتبقية في يد من تبقى ولم يسقط أو في طريقه للسقوط من الأخوة العرب الذين ظلوا في صمت مطبق منذ البداية، متفرجين لإمبراطورية الملالي وهي تبتلع بلدا عربي بعد أخر، حتى لم يعد أمامهم سوى مدن أخيرة تمثل حاجز صد أخير، في وجه أعتى مشروع إستأصالي يتربص بالمنطقة العربية وفي القلب منها مقدساتها في مكة والمدينة وبقية بحيرات النفط العربية في الخليج “الفارس” بحسبهم، والتي يتحين الفرصة للانقضاض عليها، حالما يتمكن من أسقاط أخر أسوارها المتبقة “تعز” “حلب” “الفلوجة”، لتنفتح أمامه الأبواب مشرعة لما تبقى من عواصم الأطراف العربية الأضعف والأسهل سقوطاً والتهاماً.

نقلا عن موفع إيوان24