الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٦ مساءً

لا تحلموا بتكرار الفضائح !

نُهى البدوي
الثلاثاء ، ١٩ يوليو ٢٠١٦ الساعة ٠٩:٣٨ صباحاً
لم أتوقع جرأة أحدى طالبات السنة الأخيرة من مرحلة الثانوية العامة،عندما نصحتها أن تجتهد وتستعد جيداً للتحضير لامتحانات الثانوية العامة المقرر اجراؤها 30 يوليو الجاري ؛ خلال اللقاء بعائلتها في إطار زياتي للأهل والأقارب في محافظة إب خلال أيام عيد الفطرالمبارك، صدمتني نظرتها إلى شقيقتها الكبرى التي أكملت امتحانات الثانوية العامة للعام الدراسي 2013/ 2014م بدرجة أمتياز وثقتها بما تتوقع حدوثه مسبقاً في الامتحانات هذا العام حين ردت قائله : " لا تخافي هنَ السابقات ونحنَ اللاحقات" في إشارة إلى إلى أن فضائح الامتحانات السابقة "الغش والتزوير وتسريب الأسئلة " ستتكرر في امتحانات العام الجاري 2015- 2016م.

بالطبع لا يختلف هذا الرد الصادم من الطالبة " ندى" عن تفكير معظم زملائها الطلاب والطالبات في نفس المرحلة؛ لعدم وجود فوراق كبيرة بين تفكيرهم، سوى الذكور أو الإناث، المبني على توقعات تكرار الفضائح، وكأن وضع البلد وما يحدث فيه من حرب وأزمة يمنحهم الحق بعدم اعتمادهم على النفس، ومبرر لإقناع الأهالي بتأييد توقعاتهم وأفكارهم بتوظيفهم لظواهر الفساد وفضائح الأعوام الماضية - كتسريب أسئلة الامتحانات عام 2014م، وظاهرة "الغش" كحجة تلغي الاستعداد والتحضير المطلوب من قبلهم لاستقبال امتحانات الثانوية العامة، فضلاً عن ما يتردد على ألسنة العامة حول إرتكاب مخالفات أخرى العام الماضي، كمنح شهادة النجاح لطلاب لم يحضروا الامتحانات كمكافأة لهم نظير مشاركتهم في الحرب، الذي شجع بعضهم الإلتحاق في صفوف المقاتلين هذا العام. ليس حباً في القتال، إنما للمطالبة فيما بعد بمنحهم شهادة النجاح في "القتال" أقصد في أمتحان شهادة الثانوية العامة، أسوة بزملائهم.

هذا التفكير السلبي هو أحد النتائج الخطرة، للخل الحاصل في قطاعات وزارة التربية والتعليم في اليمن، والانتكاسات التي تعرضت لها منذُ سنوات، التي برزت نتائجها بصورة واضحة في تفشي ظاهرة الفساد المؤسسي، وتسيس مؤسسة التعليم، وإخضاع معظم أعمالها وبرامجها وخططها لرغبات حزبية، حتى أصبحت بين مطرقة الفساد ورغبات التسيس الحزبي. وتتبيّن أثارالتسيس من خلال توظيف بعض المعلمين من أطياف سياسية محددة، وفي صفقات فساد المقاولات للمنشأت التعليمية. الأمر الذي أدى إلى تراجع النجاحات المحققة في وزارة التربية والتعليم خلال السنوات الماضية، رغم التحديث التكنولوجي الذي شهدته إداراتها، وذلك نتيجة لغياب الإجراءات الرادعة، وعدم تنفيذ أي سياسة ناجعة لتصحيح الإخطاء في الوزارة ؛ لنرى الطالب على هذا الحال ضحية الإهمال والتقصير؛ ليفاجئنا بتفكيره السلبي، وإصراره على جعل الفضائح حجج ومبررات فشله لتكريسها في سلوكه ومسيرته التعليمية والتربوية.

أدرك أن البلد تعيش وضع "حرب" وأنه لا يسمح بمزيد من التعقيد لا يمّكن القائمين على الوزارة القيام بأية إصلاحات مؤسسية توقف نزيف التدهورالحاصل فيها، لكن السكوت وعدم إتخاذ إجراءات كافية وصارمة لمحاسبة مرتكبي هذه الفضائح ومشجعي هذه الظواهر والمتورطين فيها ممن ينتسبون للوزارة وأبرزها: قضية تسريب أسئلة الامتحانات ، وظواهر الغش التي تركت تداعيات سلبية لا يمكن محو أثرها في الوقت القريب. لكني أرى أنه يمكن التغلب على هذا التحدي الكبير أمام المعنيين في وزارة التربية والتعليم لإجراء الامتحانات في أجواء آمنة ومحاصرة ظاهرة الغش هذا العام، إذا أُتخذ من هذا التحدي فرصة للتصحيح في الجوانب التي لا يرتبط إجراءات تصحيحها بالسلطة أو بظروف الحرب، ولكن بصحوة ضمير الكادر التربوي في بلادنا، الذي بدون صحوته ومصداقيته، لا نستطيع تخطي الصعاب ووقف حالة التدهور والضرر الذي يلحق بسمعة التعليم في بلدنا.

إن نجاح أي محاولات للحفاظ على سمعة التعليم، وإستعادة ثقة المواطن والطالب بالتعليم، ستقاس بمستوى التحُسن في الأدى ونزاهة سير امتحانات الثانوية العامة تلاشي ظاهرة "الغش" هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. ولضمان الوصول إلى هذه الغاية، فإن الأمر قد لا يحتاج إلى تدخل السلطة في الوقت الراهن، بل يحتاج إلى صحوة ضمير الكادر التربوي، الإداري ، المعلم ، المراقب ، والمشرف، الذي لا بُدَّ من أثبات حرصه على مستقبل الأجيال اليمنية وتحسين مستوى التحصيل العلمي للتلاميذ، وتجويد العمل التربوي والتعليمي في البلد من خلال إعلان رفضه تكرار هذه الفضائح.

علينا أن لا نستبدل القلم بالبندقية، وأن لا نسمح لظاهرة "الغش" لتحل محل المثابرة والاجتهاد، وعلى أبنائنا إستعادة ثقتهم بأنفسهم ومستقبلهم والإعتماد على النفس، وأن لا يحلموا أو يركنوا على تكرار الفضائح، التي رافقت سير الامتحانات السابقة ، لأن اليمن لا يزال يمتلك كوادر تربوية نزيهة، وأوفياء لشرف مهنتهم، ولن يسمحوا بتكرارها، وعلى الطلاب " الكسالى" الاستعداد الجيد لدخول الامتحانات، وعدم الركون على توقعاتهم وأن يتذكروا البيت الشعري للشاعر أحمد شوقي "العِلمُ يَبني بُيوتاً لا عِمادَ لَها -- والجَهلُ يَهدِمُ بَيتَ العِزِّ والكَرمِ".