الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٣ مساءً

الحوثيون يرفضون السلام ويتمسكون بالانقلاب

الوطن أونلاين السعودية
الاثنين ، ٠١ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ١٠:٠٧ صباحاً
أسفر المخلوع علي عبدالله صالح وحلفاؤه الحوثيون عن وجوههم الحقيقية، بإعلانهم تشكيل مجلس مشترك للحكم، وهو ما مثَّل آخر مسمار في نعش المفاوضات التي رعتها الكويت، ووفرت لها كل مقومات النجاح، وخصَّص وزير خارجيتها ونائبه قسما كبيرا من وقتهما لمحاولة دفع فرقاء الأزمة إلى التوصل لحلول تضع حدا لمعاناة المدنيين في ذلك القطر العربي الكريم، إلا أن حلفاء الشر رفضوا إلا المضي في مخططهم الرامي إلى تدمير البلاد وإزهاق دماء العباد.
ومع تعدد آراء المحللين حول الأسباب الحقيقية وراء فشل المفاوضات، إلا أنني ومن واقع تجارب شخصية مع المتمردين الحوثيين، بحكم رئاستي للجنة حقوق الإنسان التابعة لجامعة الدول العربية، أؤكد أن السبب الرئيسي لذلك الفشل، هو فقدان الانقلابيين للدافعية، وعدم اكتراثهم بما يعانيه اليمن من أزمة إنسانية تتفاقم يوما بعد يوم، دفعت أبناءه الكرام إلى حافة الفقر، وأرغمتهم على انتظار المساعدات ومواد الإغاثة.
لم يكترث أصحاب الانقلاب المشؤوم بمصير بلادهم، ولم يلقوا بالا لمعاناة مواطنيهم، لأنهم لا يفكرون إلا بمنطق العصابات، ولا يدركون كيف تكون طريقة تفكير المسؤول، والأهم من كل هذا وذاك أنهم يفتقرون إلى امتلاك القرار السياسي، ولا يستطيعون تقرير أمر أنفسهم، ناهيك عن بلادهم، وينتظرون بخنوع وإذعان ما تمليه عليهم قوى خارجية، وما يصدره إليهم ساستها من توجيهات تكاد تكتسب عندهم صفة القداسة، ينفذونها دون تفكير ولا تمحيص، ولا يدرون ما إذا كانت تتفق مع مصالحهم أم لا، ويكتفون بأنهم ألغوا عقولهم، وكفوا أنفسهم مشقة التفكير، وسلموا أنفسهم –طائعين مختارين– لدولة الولي الفقيه، لتتولى التقرير بالإنابة عنهم، في أجلى تطبيق لسياسة القطيع.
ومما يثير الرثاء أن إيران نفسها هي التي أوصلت المتمردين إلى هذا الوضع، واستدرجتهم إلى فخ الانقلاب، وقدمت لهم الوعود الكاذبة، وأوهمتهم أنها ستمدهم بالأموال والبترول والسلاح، وبعد أن تحقق مخططها، أدارت لهم ظهرها، وتنكرت لكل الوعود، ولم تتكرم عليهم إلا بأغذية فاسدة منتهية الصلاحية، ورفضت إيداع ملياري دولار في خزينة البنك المركزي اليمني، كما التزمت قبل الانقلاب. ورغم ذلك ما زال الانقلابيون يدينون لها بالولاء والطاعة، وينفذون تعليماتها بحذافيرها!
منذ بداية جولة التفاوض الأولى، ارتفعت أصوات المحللين السياسيين، محذرين من أسلوب الوفد الانقلابي، الذي ما ترك فرصة لنسف المفاوضات إلا وحاول انتهازها، تارة عن طريق التراجع عن التزامات مسبقة، وتارة أخرى باستفزاز الطرف الآخر، واستخدام ألفاظ سوقية وتوجيه شتائم نابية، لأجل دفع الوفد الحكومي إلى اتخاذ مواقف مقابلة. حتى الموفد الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لم يسلم من إساءات المتمردين. ولأنهم غير معنيين من الأساس بما يعانيه المدنيون، تمسك الحوثيون بتعنتهم، ورفضوا التجاوب مع كافة الجهود التي بذلت للوصول إلى حل سياسي، وتمترسوا وراء مطالبهم غير المنطقية، بتشكيل حكومة ائتلافية يشاركون فيها، قبل مناقشة البنود الأخرى، التي يفترض عقلا ومنطقا أن تسبق تلك الخطة وتهيئ لها الأجواء، وفي مقدمتها البنود الأمنية، مثل انسحاب الميليشيات من المدن والمحافظات، وحصر السلاح بيد السلطة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
ولم تكتف ميليشيات الحوثيين وحليفها المخلوع بالاعتداء على المدنيين اليمنيين، بل بادرت إلى قصف الآمنين في نجران وجيزان وظهران الجنوب، بقذائفها العبثية، التي ما أحرزت لها نصرا ولا حققت هدفا، ولا أرعبت سكان تلك المناطق، الذين واصلوا إصرارهم على البقاء داخل أرضهم، لم يتزحزحوا عنها قيد أنملة، ولا أصابهم رعب ولا عرف الخوف طريقه إلى قلوبهم، فظلوا كما الأشجار الباسقة، يعمر قلوبهم الإيمان، وتموج في صدورهم مشاعر الوطنية، يتسابقون إلى فداء بلادهم، ويتبادلون التهاني عند سقوط شهيد، قناعة بأنه سيكون في أعلى الجنان. كيف لا وهو سقط دفاعا عن راية التوحيد، وحماية لأرض الحرمين، وهو شرف لا يدانيه شرف، ورفعة تلامس عنان السماء.
ولأنه لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، فإن المطلوب الآن من الحكومة الشرعية التي يقودها عبدربه منصور هادي أن تضطلع بواجبها الأساسي في الحفاظ على حياة مواطنيها، وصيانة أموالهم وأعراضهم، وتعيد تنظيم صفوف المقاومة الشعبية والجيش الوطني، وتعلن على الفور بدء عملية استعادة العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي ما زالت بأيدي الميليشيات، وألا تركن مرة أخرى للمحاولات الرامية إلى إثنائها عن السير في هذا الاتجاه.
ولن تجد القوى الموالية للشرعية كبير عناء في تحقيق انتصارات حاسمة باهرة، في وقت وجيز، فكل المؤشرات تؤكد أن الشعب اليمني ستكون له الكلمة العليا في دحر ميليشيات التمرد، ووضع حد للانقلاب الذي جثم على صدورهم قرابة عامين، أذاقهم فيها كل أنواع الويلات. وسيكون للانتفاضة الشعبية التي يتوقع اندلاعها داخل صنعاء، بمجرد إعلان معركة التحرير دور كبير في تحقيق النصر.
أما الأمم المتحدة، فإنها مطالبة بإعلان موقف واضح مما يحدث، وأن تبادر إلى اتخاذ إجراءات عملية، تعاقب فيها من استهزؤوا بقرارها 2216، وضربوا بكل بياناتها ونداءاتها عرض الحائط، وأن تحدد بوضوح هوية الطرف الذي تسبب في إفشال التفاوض، وأن ترفع توصياتها إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار الذي يحفظ هيبتها وكرامتها.
وسيدرك الذين استمرؤوا الانقلاب على الشرعية، ورهنوا أنفسهم ومصائرهم لنظام المرشد، وباعوا بلادهم بثمن بخس دراهم معدودة، أنهم أضاعوا فرصة ذهبية لن تتكرر أمامهم، للتحول إلى حركة سياسية، تشارك في مستقبل بلادها، وتنال شرف التمثيل السياسي، وهي فرصة تستحق أن يعضوا عليها أصابع الندم، لو كانوا يعلمون.

"الوطن أونلاين"