الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٧ صباحاً

تعددت الضحكات.. والحب واحد !

سعدية مفرح
الاربعاء ، ٠٣ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ١١:٠٤ صباحاً
“عذبة كالطفولة …”، ضحكته الأولى التي تعرفت عليها في لقائهما الأول، ولعل تلك الضحكة العذبة كالطفولة كانت أول ما لفت نظرها إليه على اعتبار أن الضحكة كانت دائما مفتاح أقفال الآخرين الذين تتعرف عليهم للمرة الأولى في حياتها. ومن حسن حظه أن ضحكته الأولى كانت تنتمي لذلك النوع الأثير بالنسبة إليها إذ انسابت وسط الكلام كأنها موسيقا مشتعلة بفيض من الفتنة والرجولة والألق الشاعري الأخاذ. كانت فعلا “عذبة كالطفولة” وهي تنساب من بين شفتيه بجرس مغر ورزين في الوقت نفسه، نابعة من القلب، شعرت فعلا أنها نابعة من القلب ولا يمكن أن تكون مفتعلة أو مصطنعة أومقصودة لذاتها تتمة لكلام ناقص أو هروبا من كلام كان ينبغي أن يقال. ضحكة في مكانها المناسب تماما، تتجاوز حدود الشفتين لتعيد صياغة ملامح الوجه كله، فتبدو العينان الذكيتان تضحكان بشقاوة لذيذة، وترتسم خطوط دقيقة على الجبهة وأخرى حول الشفتين فتتحدد جغرافية الضحكة بشكل نهائي.

كانت تلك ضحكته الأولى، لكن الأيام والليالي التي تواترت فيما بعد، جعلتها تكتشف المزيد من ضحكاته المختبئة تحت وقار الشكل المهيب، فهناك مثلا ضحكته المجلجلة بموسيقاها المسحوبة والمتدرجة بشكل حاد جدا، وهي لا تتحقق إلا وهو يمر في واحدة من حالاته الخاصة جدا، والجميلة جدا حيث تبلغ نشوته مداها الأرحب، فتنعكس تلك النشوة علىالصوت لذاذة وصهيلا، وفقا لترمومتر النشوة المتدرجة على مدى الليل الطويل.

أما ضحكته التي تهز قلبها وتسلب جزءا مغريا من روحها فهي تلك الضحكة التي يواجهها بها كلما حان وقت الكلام والخصام والعتاب والسلام، حيث تتبدى لها من بين سطور القلب الموجوع مكتومة لا تعرف كيف تصلها من بين شفتيه المغلقتين. تصلها عميقة وكأنها تنبعث من آماد سحيقة ملونة بألوان الأماكن والأزمان التي عاشاها معا على مدى تاريخ طويل من الألم البشري المتوارث. لقد دربت عينيها على البحث عن بقايا بكاء خفي في عينيه كلما انطلقت رغم شفتيه المطبقتين تلك الضحكة الكتومة، والتي لا تنتهي حتى تكون قد زرعت في أعماقها مساحات هائلة من أشواك الندم الدامية. وكم مرة همت باحتضانه طفلا لأشواقها الحبيسة كلما سمعت ضحكته تلك وكأنها إعلان حرب ذكية، على نزوات طيشها وتوترها الدائمين.

لكن أكثر ضحكاته إيلاما لروحها المتعب، واستفزازا لمشاعرها المتوترة، وإثارة لأعصابها المرهقة، تلكالضحكة التي تبدو بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا إحساس ولا تعبير. ضحكة تنساب عبر الهاتف منهية أي نقاش بينهما عندما يصل حد بكائها الذليل، فتشعر وكأنه يذبحها بسكين ذي نصل مثلوم، كلما جابه حرقة قلبها المتفشية نارا تلظى في الحديث الباكي بجبروت تلك الضحكة المتغطرسة، بجرسها النمطي الرتيب وكأنها تصدر عن جهاز تسجيل يعيد تشغيله كلما وصل حديثها إلى نقطة الألم والتي لايمكن التراجع عنها.

نقلا عن موقع "أثير"