الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٣ مساءً

اليمن... فقدان البوصلة

عبدالوهاب العمراني
الخميس ، ٠٤ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٠١:٠١ مساءً
لعل ما يُحاك لليمن من عبث داخلي وعدوان خارجي على قاعدة عبقرية المكان ولعنة الزمان في يمن الإيمان الذي غدا بلا حكمة فإن كل ما جرى ويجري من ترتيبات مزعومة داخل البيت الانقلابي لا يعني العالم الخارجي. والسلام المنشود لا يُهمهُ حشود شعبية تُساق زرافات للميادين بحق أو بدونه. فهذا للاستهلاك الداخلي لمجرد شحذ الهِمم وهو من طبع الأنظمة الشمولية التي قذفتها الأقدار للواجهة في غفلة من الزمن. وكل هذا الإعلام الديماغوجي ويندرج في سياق تكريس ما يسمى بالأمر الواقع باستغلال وتسويق تفاعلات الهروب إلى الأمام خشية السقوط المروع أمام حقائق التاريخ والجغرافيا. فالسلاح والسلام إشكاليتان يمنيتان منذ عقود وقد شجع النظام السابق الذي يعاد تدويره اليوم في أبشع صورة على تشجيع ثلاثية القات والسلاح ودور القبيلة، بينما زادت هذه الثلاثية انتعاشاً في العامين الماضيين.

فالانتصار السياسي المرحلي لهذا الطرف أو ذاك لا يخدم الوحدة الوطنية بأي حال من الأحوال على الأمد البعيد، وسيقلب طردياً بصورة سلبية لا محالة.

لعل جوهر ما يدار في الأروقة الدولية والمبادرة الأممية هو نزع سلاح ميلشيا الحوثي وهو نفسه مضمون القرار الدولي. فالدولة المدنية لا تتماهى مع وجود ميلشيا مسلحة وعالم القرن الواحد والعشرين لا يوجد فيه ميلشيا مسلحة والذي هو بداهة يضل حكرا على الدولة نفسها!

وبداهة لن يستقر اليمن ولن يهدأ لهُ بال طالما بقى من عبث باليمن لعقود ولا زال، بل ويحاول أن يرسم ملامح المستقبل. فسلام يفرض بالقوة تحت أسنة الرماح هو نسخة مهذبة لما يُعرف باتفاق "السلم والشراكة" والذي ولد ميتاً، فمثل هذه السلوكيات لا تتناغم مع منطق العصر وفسيفساء المجتمع اليمني الذي أنهكته أكثر من عشرة حروب في خلال ثلاثة عقود مضت.

بعد نحو مئة يوم من انطلاق ماراثون المفاوضات في صيغة مُملة سيئة الإخراج زادت الأمر إحباطاً ووصل الرأي العام الدولي قبل اليمني إلى قناعة مفادها استحالة تطبيق قرار مجلس الأمن الذي هو بمثابة استسلام ناعم لطرفي الانقلاب ويستنتج من هذا الكر والفر والقفز على الحقائق بإيحاء متزايد لدق طبول الحرب. فمنطق هذه الميلشيا هو القوة فمن إعلامهم يعلنون صراحة بأنه لا يمكن تسليم السلاح قبل التوافق على تشكيل حكومة تقاسم مع أن حكومة التوافق التي أتت بالقوة توارت بالقوة أيضاً. فسياسة الغلبة والقوة هو ما يتميز به هذا التيار الصاعد الذي اغتصب السلطة بدعم من شن علية ستة حروب عبثية، ومن هنا وكأنه قُدر لهذا الشعب المنكوب بحكامه حالة عدم الاستقرار وتدوير العنف ما لم يستأصل هذا الفكر بعقلية القوة التي يؤمن بها، فلا يمكن ان تتوارى عن مكاسب سلطة القوة التي ذاقوا عسلتها!

اللافت بأن إعلام الإطراف المتصارعة في اليمن وسواها في جمهوريات العسكر العربية عموماً والتي تعصف بها رياح التغيير والتحولات الدرامية وما يرافق ذلك من صناعة الكراهية في شبكة التواصل الاجتماعي أيضاً يعكس بداهة رأي عام رسمي وحزبي وأيدلوجي فكلُ يركز من منظور سياسي يقتنع به سلفا دون الحاجة لمسوغات ومبررات منطقية، فكل حزب بما لديهم فرحون وكل يدعى وصلاً بليلى.. وليلى لا تقر لهم وصالاً!

صناعة الكراهية بدعوى الوطنية والسيادة وجلد الذات ينتهي لانكسار الشخصية اليمنية عندما تواجه الحقيقة والواقع بعد خراب مالطا.

اليمنيون انقسموا في عواطفهم وحصل عمى ألوان ولم يعد احد يدرك من ضد من؟

غدا الكثيرون يسايرون الإعلام الرسمي في الاستقطاب الطائفي والتُمترُسّ في خندقين متضادين. فاليمن للأسف وعلى هذا النحو يسير في خطى العراق وسوريا. ومن هنا فخطورة هذه الجزئية أي اغتصاب عقلية الإنسان تتجاوز خطورة هدم البنيان.