الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٨ مساءً

الإمارات وفخ المشروع الإيراني في اليمن

نبيل البكيري
الثلاثاء ، ٠٩ أغسطس ٢٠١٦ الساعة ٠٤:٥٨ مساءً
لم يعد الأمر مجرد تكهنات وحديث في النوايا المغيبة، فلقد وصل إلى واقع مخيف ذلك الذي تصنعه السياسات الإماراتية في اليمن، وهذا ما يتجلى يومياً وبشكل يسفر عن الوجه الحقيقي لهذه السياسات التي صبت وتصب في صالح التمكين الإيراني، ليس في اليمن فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها، بقصد أو بدون قصد، كونها سياسات دون رؤى أو استراتيجيات بقدر ارتكازها على أوهام وعدوات متخيلة.

فقد بات واضحاً اليوم للعيان؛ أن ما تقوم به الإمارات، لا يخدم في المحصلة النهائية سوى المشروع الإيراني الذي يتمدد في فراغ عربي كبير وقاتل، حاولت المملكة العربية السعودية جاهدة في الوقت الضائع ملأه، لكنه كان فراغاً مفخخاً، بكل أوراق طهران وأدواتها، من جماعات ودول ومنظمات ووسائل إعلام ومواقع ورجال مخابرات وساسة وكتاب، وهلم جرا من الاختراقات الإيرانية في نسيج المنطقة القومي والمذهبي والاجتماعي.

لم يتمكن المشروع الإيراني من تمدده في المنطقة العربية، مثل تمكنه اليوم، إلا بفعل سياساته طويلة الأمد، التي لا يستطيع أن يجاريها أحد؛ ما لم يعِ هذه السياسات ويدركها في جذورها التاريخية واستراتيجياتها الراهنة والمستقبلية، هذه الاستراتيجيات التي تفتقت وترعرعت في ظل دولة ولاية الفقيه، ولم تكن سوى محطة من محطات المشروع الفارسي ببعده التاريخي والراهن.

فخلال أقل من عقد من الزمن، منذ سقوط بغداد في 9 نيسان/ أبريل 2003م، وحتى سقوط صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014، مسافة زمنية بسيطة، تمكنت خلالها إيران وليست إسرائيل – العدو التاريخي للعرب ـ من أن تفعل بالعرب ما عجزت عن تحقيقه إسرائيل طوال نصف قرن من الزمن، لا لشيء سوى أن إيران تمكنت من التغلغل في البنى الاجتماعية والمذهبية والثقافية والإعلامية العربية، وهو ما عجزت عن تحقيقه إسرائيل مما أبقاها خارج دائرة الخطر الذي تمثله ومثلته إيران اليوم.

لكن ما مناسبة الحديث عن الإمارات في سياق الحديث عن المشروع الإيراني، الذي غدا اليوم المهيمن إلى حد ما على المشهد السياسي في أربع عواصم عربية مركزية هي بغداد ودمشق وبيروت فصنعاء؟ وما دور الإمارات في كل هذا؟ لن نذهب بعيداً هنا، وسنلقي نظرة سريعة على تفاصيل المشروع الإيراني في اليمن، وكيف يشتغل هذا المشروع وآليات اشتغاله، وهي التي تكاد تستند كلها على آليات السياسة الإمارتية في اليمن منذ عاصفة الحزم وحتى اللحظة.

لقد شاركت الإمارات العربية المتحدة بجهد رئيسي فيما سميت بعاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية، ولقد ركزت الإمارات كل جهودها في المناطق الجنوبية التي حققت فيها المقاومة الشعبية “الجنوبية”، والتي كانت جلها مقاومة تنتمي للتيار الإسلامي بشقيه الإصلاحي والسلفي، مع تيارات حراكية وطنية نقيضة للحراك الانفصالي المدعوم والمسنود إيرانياً منذ عام 2011م وقبلها أيضاً، تقدما.

فلدى إيران علاقة مبكرة في المناطق الجنوبية منذ ما قبل الوحدة، حيث كانت تمتلك علاقة قوية مع الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم جنوب اليمن، والذي كان يمتلك علاقة قوية واستراتيجية مع إيران، تمثلت بموقف الجنوب اليمني حينها مع إيران في حربها مع العراق، وهو الموقف ذاته الذي كان يقفه نظاما دمشق وطرابلس الليبية ضداً لبغداد وعراق صدام حسين.

لقد تمكنت إيران منذ عام 2011م من استعادة علاقاتها بالجنوب اليمني من خلال قيادات اشتراكية معتقة، كنائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض أو من خلال الرئيس اليمني السابق في الجنوب علي ناصر محمد، الذي كان مقيماً منذ عام 1990 في العاصمة السورية دمشق، وكان على علاقة قوية بنظام بشار، ومن ثم بإيران وجماعاتها في لبنان والعراق، واليمن أيضاً ممثلة بالحوثيين.

ولهذا تمكنت إيران مبكراً من اختراق توجيه الحراك الجنوبي الانفصالي بشكل كبير، فمنذ عام 2011م تمكنت إيران من تدريب أعداد كبيرة من فصائل الحراك الانفصالي عسكرياً وإعلامياً، وأطلقت لهم قنوات فضائية، كعدن لايف وقناة المصير، وكلتاها توقفتا عقب اجتياح عدن من قبل مليشيات الحوثي وصالح، وغيرها من الصحف والمواقع الإخبارية، وهو ما يعد نجاحاً كبيراً للمخابرات الإيرانية في الجنوب.

ونتيجة لذلك، تمكنت مليشيات الحوثي من اجتياح جنوب اليمن في مدة قصيرة وسيطرت عليه بسهولة، ولكن نتيجة لقوة الفصائل الإسلامية في الجنوب، فقد تمكنت من ضرب المشروع الإيراني في الجنوب وخاصة في عدن، حيث تمكنت المقاومة الشعبية “الجنوبية” (السلفيون والإصلاحيون، والوطنيون الحراكيون)، من هزيمة مليشيات صالح والحوثي، مما سهل مهمة التحالف العربي في التدخل وحسم معركة عدن.

لكن منذ أن تحررت عدن من يد مليشيات الحوثي وصالح، في تموز/ يوليو 2015م، وهي التي اتخذت عاصمة مؤقتة لليمن بعد سقوط صنعاء بيد الحوثيين في 21 أيلول/ سبتمبر ، إلا أنه لم تتمكن الحكومة الشرعية من العودة إليها بشكل طبيعي، وممارسة أعمالها من هناك، فقد شهدت المدينة سلسلة أعمال إرهابية، منعت وعرقلت الحكومة والرئاسة فيها، رغم وجود قاعدة عسكرية كبيرة للتحالف العربي وتديرها الإمارات العربية المتحدة في عدن.

الفشل الأمني الكبير الذي تعيشه المناطق الجنوبية المحررة؛ لم يكن سوى نتاج طبيعي لما آلت إليه الأمور جراء سياسة الإمارات هناك، حيث تم إزاحة كل من له علاقة بمعركة تحرير عدن، وفي مقدمتهم قائد المقاومة الشعبية في عدن، والذي كان قد تم تعيينه عقب تحرير عدن محافظا لها، وهو الأستاذ نايف البكري، والذي نجح بشكل كبير في إدارة عدن عقب معركة التحرير.

لم تتوقف الأمور هنا، بل تم إزاحة وتصفية معظم القيادات “الإسلامية” للمقاومة الشعبية الجنوبية، إما بالسجن، كما هو الحال في حضرموت، أو بالتصفية كالشيخ راوي العريقي وعبد الرحمن العدني والزهراني، وتم تخليق قيادات بديلة تم انتقاؤها بعناية، كالشيخ السلفي هاني بن بريك، الذي أوكلت له حقيبة وزارية، عدا عن تنصيبه من قبل الإمارات لقيادة ما سمي بقوات الحزام الأمني لعدن، ويتم التعامل معه كحاكم فعلي لعدن.

فما تمت ممارسته من سياسات من قبل هذا القوات التابعة للإمارات في عدن، والجنوب عموماً، كلها تصب في صالح الانقلاب المليشيوي في صنعاء، من حيث تهجير الآلاف من المواطنيين اليمنيين الشمالين من الجنوب، وعدن تحديداً، عدا عن عدم دمج فصائل المقاومة في إطار مؤسسات الدولة الأمنية التي كان يفترض تشكيلها، وإنما عمدت الإمارات إلى تخليق وإنشاء وتدريب فصائل ببعد مناطقي جغرافي، كل حسب منطقته، سواء فيما سمي بقوات الحزام الأمني بعدن أو قوات النخبة الحضرمية وغيرها.

وقبل هذا كله، تم إيكال مهمة إدارة عدن لقياديين حراكيين معروف مسبقاً تبعيتهم لعلي سالم البيض، المرتبط مباشرة بإيران، والذي كان آخرهم تعيين أبو علي الحضرمي مستشارا للمحافظ عيدروس الزبيدي، وهو رجل مخابرات إيراني معروف.

عدا عن هذا، تمارس سياسات مخيفة وكارثية وواضحة في خدمتها للمشروع الإيراني، لكنها للأسف تمارس تحت لافتة السلطات الشرعية، والتي كان آخرها محاولة تصفية قيادة مقاومة تعز في إحدى فنادق عدن، الشهر الماضي، حيث كانوا على موعد مع لقاء بقيادة التحالف العربي هناك.

ليس هذا فحسب، بل إن ما يمارس من سياسات ضد مقاومة تعز وأبناء هذه المدينة المحاصرة من قبل السلطات الحاكمة في عدن، والتي تعتبر أنها خاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، يفوق ما يمارسه الانقلابيون في صنعاء، باستثناء حالة الحرب والحصار المفروض على المدينة، لكن حالة الحصار التي تعانيها المقاومة، وخاصة من قبل قيادة محافظة عدن والمناطق الجنوبية عموماً، شيء غير مفهوم سوى أنه خدمة للمشروع الإيراني فحسب، وضداً لتوجهات التحالف العربي.

فقبل أسبوعين من الآن؛ تمكنت مقاومة الصبيحة من القبض على سفينة محملة بأكثر من 6 آلاف قطعة سلاح كانت متوجهة من مدينة عدن إلى مدينة المخا، الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي وصالح، ولم تعد هذه سوى حادثة وحيدة في إطار حوادث كثيرة مماثلة – بحسب التحقيقات الأولية مع طاقم هذه السفينة – والتي ليس أقلها منع وصول الإمدادات العسكرية إلى مقاومة تعز؛ التي تقوم بشراء الأسلحة من أسواق السلاح المنتشرة في المناطق الجنوبية “المحررة”، عدا عن عدم السماح لجرحى المقاومة في تعز من العلاج في مستشفيات عدن، وغيرها من الممارسات غير المفهومة إلا في إطار وجود تنسيق ما، لخدمة مشروع إيراني يتم تسويقه تحت لافتة انفصال جنوب اليمن؛ الذي يتم الاشتغال له حاليا تحت لافتة السلطة المعينة من قبل الشرعية.

ومن هنا، يُفهم لماذا أوقفت قوات التحالف تقدم قوات المقاومة والتحالف؛ على خط الحدود الشطرية بين محافظتي لحج الجنوبية وتعز الشمالية، بحسب تقسيم ما قبل الوحدة، وإصدار ما يشبه فيتو بعدم دعم وإسناد مقاومة تعز، باعتبارها المقاومة الوطنية القادرة برمزيتها الوطنية على لملمة المشروع الجمهوري الاتحادي لليمن كلها شمالاً وجنوباً.

نحن هنا لا نسعى لإثبات شيء ما، بقدر ما نربط الشواهد؛ محذرين من وجود مخطط إيراني يشتغل بأدوات التحالف والشرعية حاليا في الجنوب، ويتم الإعداد لمشاريع خارج إطار أهداف التحالف العربي، وبأدواته، مستغلا التباين الموجود من قبل بعض أطارف التحالف تجاه فصائل معينة في الداخل اليمني، وهي السياسات التي ستقود المنطقة حتماً لحضن المشروع الإيراني الذي وجد ممرات ودروبا ممهدة له، وهي سياسات سترتد عكسياً بتهديد وجودي للمنطقة برمتها.