الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٤ صباحاً

الأوقات المختارة

جمال أنعم
الاثنين ، ٠٣ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ٠١:١٦ صباحاً
الزمنُ عند اللهِ مراتبُ وأفضلياتٌ.. تتباينُ الأوقاتُ في القيمة.. ثمّةَ وقتٌ أفضلَ من وقت..
الليلُ مدارجُ، والنهارُ درجات.. "ومن الليلِ فتهجد ْ به نافلةًلك"، "كانوا قليلاً من الليلِ ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون"، "قُمِ الليلَ إلا قليلا"، "واذكر اسمَ ربِّك بُكرةًوأصيلا"، "وقرآن الفجرِ إنّ قرآن الفجرِ كانَ مشهودا "..كثيرة هي الآيات التي تؤكدُ تمايُزُالأوقاتِ وتفاوُتِها في القدْرِ والأجر .. أيّامُنا تشبهنا تماماً.. فيها مِن أرواحِنا الكثيرُ.. بيننا والزمنُ أُخُوةٌ في الخَلْقِ، وللرُّوح حساسيتُها الخاصةُ تجاهَ الأوقات، وهي حساسيةٌ قائمةٌعلى التأثيرِ المتبادلِ.. هناك وقت للروحِ وروح للوقت .الوقت والروح متلازمان ..
يستثيرُ الغروبُ مشاعرَ غُاربة تستدعي ذكراً خاصاً مؤنِساً يُطامِنُ استِيحَاشًاتنا لحظة التبدل تلك حيث ومثله يوقظ الشروق فينا الكثير من الحياة والمشاعر ,
وللفجرِ أشواقُهُ ودَفْقُهُ النوراتي ، وللأسحَارِ أسرارُهاو قُطوفُها الدانيةٌلأهلِ القُرب.
وللَّيلِ على النَّفسِ سلطانٌ، ولها فيه جَيَشَانُ أُنْسٍ ،هدأة ، سكونٌ قلق، مواجيد أرق ،
الليل مجمع رغاب , إهانات مستعادة , هناءة وسُبات, راحةٌ ،اطمئنان .. الليلُ موئل الروح ، سكن حميم ، فيه تعودُ وتأوي إلى مواطن البراءة، وفيه تنزع أقنعةُ النهار، تتخففُ من سطوة النظرات المحدقة والمتلصِّصَة.. الليلُ زمنٌ أثيرٌ يوفِّرُإمكانيةَ التوحُّدِ والانفراد، يوفِّرُ الاستتار، يوقِظُ فينا الملائكةَ والشياطين، يوفر إمكانية الاختيار بعيداً عن الرُّقَباء، بين سقوطٍ في الظُّلْمةِ أو الارتفاعِ إلى النورِ، الليلُ رهان كبيرٌ يكتسبُ قيمتَهُ بقدرِ ما يُثيرُ ويستثيرُ من إمكانيةِ الطاعةِ وبواعثَ العصيان..
لمَ يُريدُك مولاك في هذِهِ الساعةِ المتأخرةِ، في هذه الأوقات بالذات ؟ لِمَ يطلبُكَ الآن!؟.. لِمَاذا يُعْطِي لهذا الوقتِ أفضلية خاصةً!!.. أليس بقدر ما يخلُقُ على مستوى الروح والجسد، بحيث يصير الإقبالُ على الله امتيازَ مُحبٍّ صادق يؤكدُ خصوصيةَ العلاقَةِ، تفَرُّدَها، تَسامِيْها، عُمْقَها، حميميتِها..
هي الأوقاتُ المختارةُ للحب المختار، الوقتُ الخالصُ للمحبةِ الخالصةِ، الوقتُ الغالي للأغلى، الوقتُ الحبيبُ للأحبِّ.. هي إذاً أوقاتٌ خاصةٌ تختبرُخصوصيةَ علاقتِنا بالله، ومن ثمَّ بأنفُسنا والوجود.. فيها نكونُ أكثرَ تناغُماً وتوافقاً، أكثرَ قُرْباً وتآلفاً، أكثرَانصباباً في المُراد.. لكلِّ وقتٍ شجنُهُ ورفيفه ،خفْقُهُ، روحُهُ ورائحتُهُ، أسَاهُ وشَجْوُهُ، شاعريّتُهُ.. لكلِّ وقتٍ طاقته واستثارتُه.. درجتُهُ عندَ الله، ولكلٍّ درجاتٌ هي بقدْرِ صعُودِنا في مدارجِ الزَّمان، وقبضِنا على تلك اللحظاتِ الحساسةِ المكتنزةِ بطاقةِ الحياة..