الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٠٧ مساءً

في جيشنا "فـهد" !

سام الغباري
الخميس ، ٠٦ اكتوبر ٢٠١٦ الساعة ٠٨:١٨ صباحاً
- خشيت على "فهد القرني" من الموت ، رأيته ينزف أمامي بدم كذب !، فيدخل الجنة ، ويلتقي بثلاثة عظماء في تاريخنا الوطني ، وهُم القاضي محمد محمود الزبيري ، والقائد علي عبدالمغني ، والشهيد راجح لبوزة ، كان المسرح يضج بالعِبرة وينضح بالحكمة ويتندر بالطُرفة، وأنا جالسٌ في الصف الأول مُنصتاً ومراقباً لدلالات المسرحية الكوميدية الذكية التي برع الممثل المسرحي "فهد القرني" في تأديتها أمام عدد من وزراء الحكومة وقيادات الجيش الوطني بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لقيام ثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة ، في إحدى قاعات المجمع الحكومي في مدينة مأرب اليمنية.
- ظهر الفنان الشعبي الشهير على خشبة المسرح مرتدياً زياً عسكرياً ومتمنطقاً سلاحه الكلاشنكوف ، وهو يجادل احد الضباط عن رغبته في لقاء نائب رئيس الوزراء اليمني المناضل عبدالعزيز جباري ، ورئيس هيئة الاركان العامة للجيش الوطني اللواء الركن محمد بن علي المقدشي ليقصص عليهما رؤيا لقاءه في المنام برموز ثورة سبتمبر الخالدة ، فتحول الحلم الى حقيقة وتسرب الدم المزيف من صدر الفنان "القرني" ليدخل الجنة فعلاً كما تروي مشاهد المسرحية ويلتقي بأولئك الرموز الوطنيين الذين ساءهم عودة السلاليين إلى الحكم بعد مرور ٥٤ عاماً من نجاح ثورتهم المباركة .
- سأله الثوار الأوائل عن اسباب تلك الانتكاسة المريعة لأهداف الثورة اليمنية ، وكيف تصرف الجيش إزاءها ، وما موقف الشعب من الإنقلاب الحوثي المقيت ؟ ، تخللت الإجابات عبارات ضاحكة استهوت الجمهور ، وانتهى الامر بتحميل ذلك الجندي الذي وصل لتوه إلى الجنة ثلاث رسائل ، كانت الأولى من القاضي الزبيري - وزير المعارف في حكومة السلال ١٩٦٢م ، الى الرئيس هادي ، والثانية من القائد علي عبدالمغني - مهندس ثورة ٢٦ سبتمبر الى الفريق الركن علي محسن الاحمر نائب رئيس الجمهورية ، والثالثة من الشهيد الثائر راجح لبوزة الى ابناء الجنوب اليمني .. قرأ الفنان "فهد القرني" الرسائل التي تعمدت بدمه امام الجمهور ، وكان أبرزها نداءهم بتجريم السلالية وكافة أشكال التسلط العنصري الذي يمارسه الطبرستانيون وينفذون من خلاله بالقوة المتراكمة على رقاب الشعب اليمني ، ثم ترجل عن خشبة المسرح ، وسلّم الرسائل يداً بيد للاستاذين جباري ونايف البكري ، والثالثة للواء المقدشي .
- في جنازة القيادي الحوثي د. أحمد شرف الدين الذي اغتيل قبل عامين بالعاصمة صنعاء ، جلس رجل الدين المرتضى المحطوري على كرسي خشبي ، وجاءه أحد الفلاحين الطيبين يُقبّل قدميه بإنبهار مقزز ، وجُعِل "المحطوري" - الذي اغتيل ايضاً بعد أشهر في تفجير إرهابي بمسجده وقت صلاة الجمعة - ينظر إلى السماء - ولا يكترث لصاحبنا الجاثي على ركبتيه ، كان المشهد مريعاً أمام آلاف الحشود الذين شاركوا جنازة الدكتور الراحل ، شعرت بالإهانة والإزدراء ، وتمنيت لو أني استطيع ركض "المحطوري" ، وصفع الجاهل المُقبِل عليه ، مثل تلك المشاهد كانت تتكرر في شاشات الهواتف الذكية لعدد من رجال الدين "الهاشميين" ، ونسمعها من كبار السن وهم يصفون حالة الإذلال التي كان يعيشها اليمنيون تقديساً لسلالة كهنوتية ، استخدمت الجهل لتعصف بكرامة الفلاحين وتستعبدهم ، لكنها المرة الأولى التي أشاهدها بعيني ، ومازلت اتذكر عباراتي الساخطة وخروجي من الجنازة غاضباً ومصدوماً .
- لم يكن "فهد القرني" فناناً مُضحكاً وعابراً ، يملك صوتاً جميلاً يُغرد به في أناشيد ساخرة ، بل كان ثائراً كامل الأوصاف ، عُرف عنه تأدية دور البطولة في مسلسلاته الشعبية الشهيرة ، وفي مأرب التي جاءها متخفياً عن أعين "الحوثيين" ، صار "القرني" بطلاً حقيقياً على مسرح الجبهات المشتعلة ، إرتدى الزي العسكري وحمل السلاح ، وانخرط في صفوف الجيش الوطني الجديد جندياً مقاتلاً في الصفوف الأولى لمناطق التماس ، أطلق آلاف الرصاصات على مواقع الحوثيين ، وطارد مع رفاقه في اللواء ٣١٤ المتمركز في "فرضة نهم" عشرات المحاربين الإنقلابيين ، هزمهم في الجبل ، كما أذاقهم مرارة السخرية على خشبة المسرح !.
- يقين "فهد" بثورة سبتمبر العظيمة ، تجاوز حدود التنظير والمشاركة الفنية التي يجيدها منذ تخرجه من كلية الفنون بجامعة بغداد ، إنطلق الرجل كفهد بري جامح من موقع إلى آخر ، يرصد فرائسه ويصطادها ، ويعود فيما تبقى له من وقت بالتفكير في الأعمال المسرحية والعروض القصيرة ، وإعداد السيناريو والفكرة والإخراج لتلك الأعمال التي يؤديها مباشرة أمام رفاق سلاحه في مواقع النصر والبطولة .
- في مكان آخر يُحدثني جنودٌ لا أعرفهم عن مؤهلاتهم الدراسية وتخصصاتهم العلمية ، وأسألهم ما الذي جاء بكم إلى الجبهات ؟ ، فيستنكرون سؤالي وينطلقون بحماس في سرد قيمة التضحية والدفاع عن المكتسبات الديمقراطية الوطنية لليمنيين التي بدأها أجدادنا بثورة هزمت الكهنوت الديني لسلالة الرسيين المجرمين .
- لن يستطيع الحوثيين الإنتصار لإنقلابهم ، وتمريره بالقوة القهرية ، فذلك شأن تجاوزه اليمنيون منذ عقود ، ومن سقط في شباكهم محارباً لديمومة الثورة والحرية إمرئ مختنق بالجهل ، يهوى تقبيل الأقدام ، ويستلذ العبودية التي يراها جزءً أصيلاً من الدين ، و لن يُقبل منه شيء من صلواته ومناسكه ما لم يمرغ رأسه وشفتيه في ثياب سيده بحثاً عن ركبتيه طمعاً في نيل الغفران واستحقاق البركة .
- لقد أدمن جيل ٢٦ سبتمبر الحرية ، فكل من تقاطروا لإستعادة ثورتهم ومدنهم المختطفة ، يقاتلون بمخالبهم وأنيابهم ، ينهشون خصومهم برغبة المدمن الباحث عن الخلاص والطمأنينة .. نحن مدمنون لكل أهداف سبتمبر حرفاً حرفاً ، نقتفي أثر أقدام الزعيم "عبدالله السلال" ، ورحلة القائد "علي عبدالمغني" الذي قضى نحبه في أعوام الثورة الأولى تاركاً محبوبته عند شلالات وادي بنا بإنتظار عودته ، لم يعد الفتى ! .. لكن الشمس أشرقت لأول مرة في تاريخ اليمنيين وقد اكتشفوا حياة أخرى على ظهر الكوكب ، وكانوا يحسبون أنهم فقط آخر المخلوقات بإنتظار يوم القيامة .