الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٦ صباحاً

مولد الرسول ﷴ ﷺ ذكرى للاحتفال أم تاريخ لإعلان الانفصال

د. أحمد محمد قاسم عتيق
الاثنين ، ١٢ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ١٢:٢٦ صباحاً
أحداث عجيبة ، ومواقف مُستغربة ، وسلوكٌ لا علاقة له بمن نحب رسولنا محمد ﷺ؛ اليوم تلبس الحياة زينتها ،وترتدي أجمل ما عندها تلطفاً وخضوعاً بين يدي الرحمة المُهداة.
في كل بقعة من الأرض هناك من يتذكر هذا التاريخ ليستشعر عظمة صاحبه ، وقيمة ما قدمه للإنسانية ،وما أنجزه في علاقات البشر ببعضهم ،وما أرساه من خلقٍ كريم يظل عبر الزمن سراجاً منيراً لمن يريد أن يستنير، وهناك من يحتفل بهذا التاريخ العظيم لينفذ به إلى مآربه وأطماعه وأهدافه الخبيثة المغلفة بإدعاء حب الرسول ﷺ؛ فلا يترك سبيلاً لإيذاء البشر وإعلاء هيمنته على الخلق وبسط نفوذه واستبداده متجبراً متكبراً إلا وسلكه ليس لأنه يمتلك مهارات أو قدرات أو إبداعات أو كفاءات تميزه عن غيره ،لا! بل لأنه يدعي الإنتماء إلى سيد الخلق فظن أنه يحق له العربدة في الأرض وتعذيب البشر عبر تهجيرهم من أوطانهم، وقتلهم ، وتدمير مساكنهم ، ونفيهم من قائمة الإنسانية، وهذه الأفعال يقوم بها المدعون الضالون على المؤمنين لأنهم ينشدون الحق ،ويطلبون أن يكون العدل رايتهم ،والقانون والعرف الذي إرتضاه ديننا سبيلاً يسلك في علاقات الجميع فينظمها ،ويُهذبها، ويُلطفها ،و يضبطها فتصبح الحياة بذلك عادلةً ،سعيدةً، وجميلة.

إنما المدّعون بالانتساب إلى حبيبنا محمد ﷺ لا يروق لهم ذلك لأنهم مجرد أدعياء وليسوا أحفاداً فيُمارسون كل ما ينتهك القيم والعرف وتقاليد المجتمعات وناظم الحق في الحياة لأنهم يرونه خارج عن مألوفهم ، وسيطرتهم ،والخضوع لهم ،وهيمنتهم. وما يعتقدونه حقاً هو ذلك الذي يتوافق مع رغباتهم وأنانياتهم، وكل ما يُناقض هذا الأمر يجب أن يختفي وينتفي وينتهي من على وجه الأرض وفي أفضل الأحوال من أمام أعينهم في البقعة التي يسيطرون عليها.
أمرتنا يا من يصلي الله ويسلم عليك بالعمل، والكفاح، والبذل، والإعتماد على النفس، بل عظمت العمل إلى مرتبة العبادة. وها هم المُدعون يسلبون الناس أقواتهم ،ويصادرون ممتلكاتهم ،ويختطفون أولادهم ، يرملون النساء، يُيتموا الأطفال، يهدمون دور العلم والتعلم والعبادة ،يحرقون المزارع، ويُزيفون وعي الناس تحت راية الإنتماء إليك، وهو ما يُنافي كل قيمك يا أعظم البشر وما دعوت إليه، وما حَرِصت ان نكون عليه، وما اجتهدت في أن تنتظم حياة البشرية على هديه.

في ذكرى يوم مولدك المدعون يُمزقون الأوطان ،يقطّعون الأوصال، ومن الوحدة يشقون العصا ويرفعون راية الإنفصال.

يتمردون على الحكم وعلى رغبة الأوطان، ويظنون أن هواهم الحق وما عداه الباطل، فيحق لهم من أجل إظهار طغيانهم ،وعلو شأنهم واستمرار رايتهم وإن كانت باطلاً ، القتل، والتنكيل ،والتعذيب، وكل ما يُمكنهم من جعل الحياة جحيماً ليسكن الرعب في القلوب، ويعمي إرهابهم العيون.

فها هو الوطن الذي وصفته عليك الصلاة والسلام بالإيمان والحكمة يتمزق وكل جميل فيه يُدمر ، وما عدنا نشهد الإبتسامة على شفاه الأطفال، وإنما الطاغي في حياتنا دمعة سوداء محترقة ،ولسانٌ مُتعثرٌ جاف لا يقدر على شيء سوى ذكرك واسم الله ليظفر بالنجاة، ولذلك هو يموت بفعل المدّعون الإنتماء إليك.
يوم ذكراك أيها الحبيب يلتهب الهواء ناراً فيلفح الوجوه ، ويأكل الأجساد ، ويُدمي القلوب بفعل نيرانهم التي تخترق كل شيء إلى كل شيء. في هذا اليوم نحرص على الوحدة وهم يحرصون على الإنفصال.

اتخذوا من هذا اليوم فرصةً لجبي الأموال فجيوبهم لا تمتلئ ، وطمعهم لا ينتهي ، وآمالهم في الاستحواذ على كل شيء لن يقف عند حد، رغم أنهم يرون الناس يموتون جوعاً فمصادر الأرزاق قُطعت ،والمزارع صُلّبت ، والأودية جفت، والأشجار احترقت ،والحياة تتوقف عند إرادتهم كما يظنون.

إن هذا السلوك أيها المصطفى يا من إجتباك الله رحمة للعالمين ، وهادياً للضآلين، يناقض دعوتك إلى التراحم والتكافل . فأنت كنت ومازلت ولياً للمؤمنين.
إني أعتذر إليك من هذا القول فأنت قد علمتنا وغرست فينا كل جميل ، وما هذا السلوك الذي نعيشه من الأدعياء بالإنتماء إليك إلا ناظم اختبارٍ لتشهد صبرنا ونضالنا من أجل حياة كريمة ، ودفاعنا عن الحق من أجل أن يسود على الأرض.

أعتذر إليك لأننا قد نصحنا ، وقاومنا بالكلمة وهي ما نملك ولا حول ولا قوة لنا إلا بالله.
سنظل نتتبع سيرتك ونتعطر بها بعدم مخالفتنا لها إلا بما أمرتنا إجتهاداً فيما يُصلح شأن حياتنا. ظهر الكثير من بيننا ممن وصفتهم بالظهور في الدين كمالاً ويمرقون منه كما تمرق السهم من الرمية، رغم يحتوون كل الإعوجاج وهذا في معنى وصفك لهم .

لذا أؤكد أنهم البلاء الذي حذرتنا منه ،ويجب علينا أن نقاومه عبر العصور وإمتداد الزمن.
أفضل صلاة الله وأتم سلامه عليك كلما ذكر الله الذاكرون ،وشكره الشاكرون، وغفل عنه الغافلون، ودائماً وأبداً عدد خلق الله ، ورضاء نفسه ،وزنة عرشه ،ومداد كلماته، والزيادة والبركة من عنده على النحو الذي يُرضيه ويُرضيك ويرضى به عنا وعن جميع المسلمين بفضله ومنّه وكرمه أرحم الراحمين.
اللهم آآآآمين.