السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٠ صباحاً

سيادة الرئيس.. كلنا عيال شوارع!

حسن عبد الوارث
السبت ، ٢١ يناير ٢٠١٧ الساعة ٠٨:٣١ مساءً
لأصحابنا الطليان عبارة شهيرة في القاموس الأدبي والنقدي تقول: "المترجم.. خائن"!

والحق أنهم على حق الى حدٍّ كبير . فالمُتَتَبِّع لسيرة وصيرورة الترجمة -ونماذجها الجمَّة- من لغة الى أخرى، في النص الأدبي كانت، أو في الكتب والمقالات المختلفة، أو في ترجمة الخطابات والمخاطبات وغيرها من صنوف الحديث، وخصوصاً ما تسمى بالترجمة "الفورية".. في امكانه أن يدرك سِرّ تلك المقولة الطليانية ومدى مطابقتها لواقع الحال في الكثير من الأحوال.

لي مادة صحافية مُطوَّلة في هذا الموضوع ، نُشِرتْ منذ نحو ثلاثة عقود (18 فبراير 1988) أثارت حينها جدلاً واسع النطاق في الوسط الأدبي والاعلامي في مدينتي عدن _حينها_ فتقاطرتْ الاسهامات حولها من قبل عدد غير قليل من الأدباء والصحافيين والمشتغلين في حقل الترجمة باغراضها المختلفة، حتى غدت المادة المتراكمة حول هذا الموضوع في حجم كتاب من القطع المتوسط.
ما علينا من كل تفاصيل هذه الظاهرة المثيرة للجدل في كل حال، وسأكتفي -هنا- بنماذج طريفة من أخطاء الترجمة ، من ذاك النوع الذي دعا الطليان الى وصف المترجم بالخائن، معظمها كنتُ طرفاً مباشراً فيها، أما الأولى فقد وصلتني من شاهد عيان عليها.

في منتصف سبعينيات القرن الماضي، كان الرئيس الصومالي محمد سياد بري يقوم بزيارة رسمية لمدينة عدن. وفي حفل استقبال أقامه على شرفه والوفد المرافق له، الرئيس سالم ربيع علي، أنبرى الرئيس الصومالي لالقاء كلمة تُشيد بالبلد المُضيف، وأختص الرئيس "سالمين" بجانب من هذه الإشادة.
كان سياد بري يتحدث بلغته المحلية، فيما كان ثمة شاب من أبناء بلده يقوم بالترجمة الى العربية!

وفي جزئية من كلام الرئيس الصومالي جاءت الترجمة العربية على لسان المترجم الشاب بعبارات جعلت كل من كان حاضراً من المسؤولين اليمنيين ينفجر ضاحكاً، حتى أن الوزير عبدالعزيز عبدالولي كاد حينها أن ينقلب على ظهره من شدة الضحك.
لقد جاء في كلام الرئيس الصومالي ما يخاطب به الرئيس اليمني أنهما -بري وسالمين- يشتركان في بعض الخصائص الشخصية وبضمنها أنهما ينحدران من عائلات فقيرة وعاشا في بيئة شعبية بسيطة للغاية.. فكيف جاءت الترجمة التي أثارت عاصفة الضحك؟

قال المترجم: سيادة الرئيس سالم ربيع.. أنت وأنا كلنا "عيال شوارع" !!

في أواخر العام 1992 كان السفير الكوبي في اليمن مودِّعاً صنعاء عائداً إلى بلاده، بعد اكماله فترة مهمته الديبلوماسية.. وقد زار صحيفة "الثوري" حينها، نظراً لخصوصية العلاقة، حيث أستقبلته بالانابة عن رئيس التحرير الصديق الأستاذ أبوبكر باذيب الذي لم يكن متواجداً في صنعاء وقتئذٍ.

في سياق حديثنا قلت لسعادة السفير أن لبلده بصمات عديدة في اليمن. واثر أن ترجم المترجم عبارتي فوجئت بوجه السفير يكفهر بوضوح.. وسرعان ما أكتشفنا أن ثمة خطأ فادحاً في الترجمة.

إن لفظ "بصمات" على لساني أستحال الى "مشاكل" على لسان المترجم!

الأمر ذاته حدث لي مع نقيب الصحافيين البلغار في منتصف يونيو 1989، يومها كنت أرأس بعثة من عشرين صحافياً في دورة تأهيلية في صوفيا.

وفي حفل اختتام الدورة، واثر أن ألقى النقيب البلغاري خطابه، قمت بالقاء خطابي الذي أعتذرت فيه عن أي تقصير بدر من أعضاء البعثة في سياق تحصيلهم العلمي والعملي. وذهلت حين راح النقيب البلغاري يسألني بقلق بالغ بعد الحفل عن طبيعة الحريق الذي أشعله اليمنيون في صوفيا؟!
وحتى هذه اللحظة، لا أدري كيف صارت مفردة "تقصير " حريقاً عند المترجمة الحسناء!

وتظل مقولة "المترجم.. خائن" صحيحة إلى حد كبير.. فثمة نماذج وردت في العديد من المقالات والدراسات والكتب أشارت الى أخطاء فادحة في الترجمة أثارت أزمات أو تسببت في حروب بين الدول والشعوب!

"يمن مونيتور"