الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٧ مساءً

معركة في مستشفى الثورة بصنعاء

مروان الغفوري
الاربعاء ، ١٥ مارس ٢٠١٧ الساعة ٠٧:٥٥ صباحاً
يخوض موظفو مستشفى الثورة، صنعاء، صراعاً مراً ضد كل شيء وفي كل الجهات. البيانات الرسمية تعترف بانهيار الخدمة الطبية بصورة شاملة، وبعدم قدرة إدارة المستشفى/ السلطات الطبية على دفع رواتب الموظفين.
قرر الأطباء الذهاب إلى إضراب شامل. كذلك وجه مدراء خمس قطاعات في المستشفى رسالة إلى لصوص الفرزة المسماة ب"المجلس السياسي الأعلى" قالوا فيها إنهم، بسبب الانهيار الشامل في قدرات المستشفى، في حكم المستقيلين.
أمام هذه التحديات الوجودية اكتشف مدير المستشفى "محمد محمد محمد محمد المنصور" الحل. قال في بيان حديثٍ إنه اجتمع بنوابه وبرؤساء الأقسام وقرروا فصل الأطباء المضربين. اعترف "محمد أربع مرات المنصور" بأن أطباء المشفى لم يحصلوا على رواتبهم منذ خمسة أشهر. العدوان على اليمن هو من يتحمل المسؤولية، قال محمد أربع مرات. أمام الأطباء، والممرضين، في الثورة طريق وحيد: العمل، كالعادة، وبلا إبطاء أو تأفف، أو الفصل. سبق أن ضرب الدكتور "محمد أربع مرات" المتظاهرين، وأحضر البلطجية والكلاب.
لا يعاني "محمد أربع مرات" من أي مشاكل مالية، ولا يبدو أن العدوان السعودي قد نجح في إرباك وضعه المالي. الحوثيون، بالمجمل، يعيشون في أزهى عصورهم المالية تحت سماء العدوان.
تحدث ناشطون محليون لأشهر طويلة عن السوق السوداء. مهندسون تحدثوا أخيراً عن ما بعد السوق السوداء: عن مُحدثي نعمة جدد، عن قصور سريعة، وعن لون جديد وعاجل من الرفاه. أحدهم قال إنه عاد للتو من عمارة بنيت حديثاً بخمسة أسنسيرات في العاصمة.
مهندس ديكور قال إن سوق عمل مهندسي الديكور انتعش مؤخراً في صنعاء. فمحدثو النعمة الجدد يريدون تصميمات عصرية للبيوت الجديدة!
رواتب الأطباء يتحملها العدوان السعودي!
قبل أيام حصل تاجر السلاح الشهير فارس مناع على أمر بمنحه سيارة جديدة تحت بند: مواصلات. فارس مناع يبيع السلاح في آسيا وأفريقيا ويعمل وزيراً لدى الحوثي، وقد قال شقيقه في ٢٠٠٩ لصحيفة محلية إنه خسر منزلاً في الحرب السادسة كان بداخله مقتنيات بثلاثين مليون دولار.
ثمة ما يشبه هذه الصورة في الضفة الأخرى، ضفة الشرعية الفانتازية. فقد سألني دبلوماسي يمني في أوروبا، قبل شهر، عن ما يجري في نهم، وقلت له: حتى الشيطان لا يدري. قال إن شقيقه يقاتل مع الجيش المقدشي منذ شهور، ويطلب منه من وقت لآخر ثلاثة آلاف ريال أو أكثر. وقبل أيام نشر ناشطون وثيقة موجهة إلى المخزّن الأعظم المقدشي تطالبه بدفع حوالي ٣٧ مليون ريال كديون "قات" تراكمت لديه..
كان اليمن منقسماً حول خط الفقر. سقط، أخيراً، بأكمله تحت الخط. قبل أن يسقط، بوقت قصير، كانت شؤونه قد آلت إلى كل الرجال الذين على منوال محمد أربع مرات، وعلى شاكل المخزّن الأعظم. كان هادي هو التمثال الحي الذي تجسدت عليه خطايا اليمنيين الجسيمة. أما الحوثي وصالح فهما أصغر من أن يهزما أمّة من الناس، شعباً من الشعوب ما لم تكن تلك الأمة قد أصبحت عرضة للانهيار. مثل "محمد أربع مرات" والمقدشي كان يوجد عشرات الآف، وكانوا هم الثقوب في الضمير الجماعي.
ولكي يصعد المجتمع، ببطء وثبات، إلى خط الفقر ثم يخطو إلى الأعلى .. عليه أن يتخلص من الانقلاب، ثانياً، ومن القابلية للانقلاب أولاً. لا يقع المجتمع فريسة للانقلاب، أو الانهيار، إلا عندما تؤول شؤونه إلى الناس الذين على شاكلة محمد أربع مرات، والمخزن الأعظم. تلك هي القابلية للانقلاب، للتلاشي، للتفكك.
حسناً، نحن الآن في طور من التشظي غير مسبوق. لا شكل قائم، وليس بالمقدور تخيل شكل صلب سيرسو عليه اليمن. عندما تصدمك حقائق رهيبة مثل الدولة البوليسية التي تتشكل في عدن ومأرب، عندما يقول خارجون من معتقلات الجيش في حضرموت إن محققين إماراتيين سألوهم "ما علاقتكم بالسعودية"، وفقاً لبيانات منظمة يمنية مرموقة، عندما تتفق أميركا والسعودية والإمارات على القتال في اليمن بلا سقف زمني: أميركا/ القاعدة، السعودية/ الحوثي، الإمارات/ الإخوان، ولا يتحدث أي منهم عن مشروع سياسي موازٍ للقتال، عندما يتفكك اللقاء المشترك ويتلاشى بصورة نهائية في أكثر ساعات الاحتياج الوطني، عندما يكتب مثقف: "أنصار الله"، عندما تقول منظمة دولية مرموقة إن ١٨ مليون يمني أصبحوا جياعاً، ويعلق الإيرانيون "ما كنا لنحلم بمثل هذا النصر في اليمن"، عندما تقلب في كتاب الجمهورية الكبير، في كتاب الدولة فلا تجد لهما من أثر سوى خيال مآتة يسمى في النهار "الرئيس هادي"،و الله أعلم إيش اسمه بالليل .. إلخ ماذا سيكون بمقدروك فعله؟
الصدمة النفسية التي تلقاها المجتمع اليمني ستصاحبه لأجيال قادمة. الجوع هو الهزيمة الخشنة،
لكن الهزيمة الناعمة، الهزيمة الداخلية، أن ينهار إنسانك بفعل الضغط الدائم، هي التي لن تعالجها أكياس الدقيق..