الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٧ مساءً

قراءة في دعوة التحالف وسيناريوهات ميناء الحديدة

مارب الورد
الثلاثاء ، ٢١ مارس ٢٠١٧ الساعة ١٢:٣٨ صباحاً
القيادي الحوثي حسن الصعدي قال لوكالة سبوتينك الروسية إنهم يبحثون دعوة التحالف للأمم المتحدة للإشراف على ميناء الحديدة بدلا منهم، لكنهم لم يتفقوا على رد نهائي للآن.

الصعدي أرجع الدعوة إلى ما قال إنها محاولة من التحالف لإجبارهم على التنازل تمهيدا لجلبهم للمشاورات التي يسابق ولد الشيخ الزمن لعقدها لكنه لم ينجح ويواصل زياراته المكوكية لعواصم غربية وعربية للتحضير لها.

من جانب التحالف، فالمبررات وفق عسيري في تصريحات لقناة الحدث الليلة تتمثل في تحويل الميناء إلى منطلق لتهريب السلاح والبشر واستغلاله للتربح وتمويل عملياتهم العسكرية من عائداته، ولأجل هذا كله لابد من عودته للسلطة الشرعية.

السؤال لماذا دعا التحالف الأمم المتحدة للإشراف على الميناء؟

الدعوة تحمل في طياتها دلالات عدة من حيث التوقيت والرسائل والأهداف، فمن جهة التوقيت تأتي بعد دخول روسيا على خط الجهات الدولية وتحديدا المنظمات الأممية التي تتابعت تحذيراتها من تداعيات أي عملية عسكرية نحو الحديدة على الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة وغيرها من محافظات الشمال التي تقول هذه المنظمات إنها تعتمد على هذا الميناء لاستيراد احتياجاتها من الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.

وتعتقد الأمم المتحدة ومنظماتها مثل روسيا أن أي عمل عسكري قادم سيؤدي إلى إغلاق ميناء حيوي للأغراض التجارية والإنسانية وبناء على ذلك فهي لا تريد تعطيل الميناء وهي مبررات تبدو في ظاهرها منطقية ولكن في باطنها أهداف سياسية خاصة لموسكو.

أما من حيث الرسائل فهي تقول لهذه الأطراف جميعا إن لا مبررات منطقية لهذه المخاوف لأن الميناء تحول كما قال عسيري لأغراض أخرى تصب لصالح الانقلابيين وليس المواطن اليمني، وأن سواحل المحافظة باتت تشكل تهديدا للملاحة البحرية بعد استهداف سفن سعودية وأخرى إماراتية وأمريكية ولكونها قريبة من باب المندب الذي تعرض لحوادث مماثلة.

لهذا الحل يكمن في تحرير الميناء والمدينة وإعادتهما إلى سلطة الشرعية، وهناك فرصة أخيرة للأمم المتحدة لحل وسط وهو تسلمها الإشراف على الميناء في اختبار عملي وحقيقي لها لإقناع الحوثيين بذلك ولن تستطيع لرفضهم المتوقع، وفي هذه الحالة يكون التحالف أسقط الواجب ورفع عنه الحرج وحمّل الانقلابيين مسؤولية تداعيات العمل العسكري ووضع روسيا في موقف محرج لا تستطيع تجاوزه دبلوماسيا.

الحكومة الشرعية أعلنت من جانبها أن ميناء عدن جاهز لاستقبال السفن التجارية والإغاثية وإدارته مستعدة لتوفير كل ما تريده هذه المنظمات لإيصال المساعدات والقيام بواجبها في توزيها للمحتاجين.

الكرة الآن في مرمى الحوثيين والأمم المتحدة، فهم أعلنوا على لسان القيادي الصعدي بحث الدعوة لكن لا أحد يعرف ماذا سيقررون بشكل نهائي وهل سيوافقون على تسليم إدارة الميناء للأمم المتحدة وما شروطهم إذا قبلوا، وفي حال عدم ذلك ما موقف الأمم المتحدة؟

في تقديري أنهم لن يقبلوا لسبب بسيط وهو أن الميناء آخر منفذهم البحري وهم يدركون أهمية سيطرتهم على ميناء حيوي مثل هذا وعلى البحر الأحمر وقريب من باب المندب، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية المتمثلة بالإيرادات التي بلغت العام الماضي أكثر من 47 مليار ريال تقريبا وهو رقم تقديري وقد يكون أكبر ولا يمكنهم التخلي عن مورد مالي هذا.

في الواقع لا أحد يعرف ماذا يقصد التحالف بالإشراف على الميناء، هل المقصود إدارته وتشغيله بدلا من الحوثيين أم الإشراف الرقابي للتحقق مما يصل إليه أو يخرج منه، مع العلم أن السفن القادمة إليه تأتي بتصاريح مسبقة من التحالف والأمم المتحدة بعد تفتيشها في جيبوتي تقريبا.

إذا كان المقصود بالإشراف تشغيل الميناء واستلام عائداته فقد يكون الهدف تجفيف موارد الانقلابيين في إطار تضييق الخناق عليهم ماليا خاصة وأنهم لا ينفقون على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بمناطق سيطرتهم ولا يدفعون رواتب الموظفين، أي أن الأموال تعود لهم للتربح وتمويل الحرب ضد الشعب.

في حال كان هذا هو المقصود فلن يقبل الحوثيون، وإن كان غيره فقد يوافقون وفي هذه الحالة لن يستفيد التحالف ولا الحكومة شيئا ولا اعتقد أن هدفهما هذا، بقدر ما يتعلق الأمر بتجفيف الموارد وإفقاد الانقلابيين ورقة قوية ورابحة بالمفاوضات وهي الميناء الذي بتجريده منهم لن يكون لبقاء سيطرتهم على المدينة قيمة كبيرة مع أنها ستوفر لهم موارد مالية وإن بدرجة أقل وتفقدهم ميزة بالتفاوض.

بالنسبة لروسيا فدخولها على خط الحديدة ضغط سياسي على التحالف لاستثمار الملف اليمني في صراعها مع الغرب وفي مقدمته أمريكا التي أرسلت قوات إلى شمال سوريا تحت لافتة محاربة داعش والحقيقة للعارف بالسياسة أنها لاقتسام النفوذ مع الروس ومزاحمتهم، فضلا عن استثماره بملفات أخرى مثل أزمة أوكرانيا عند استئناف التفاوض مع الغرب.

موسكو تريد الشراكة بصناعة قرار التسوية بالانضمام للجنة الرباعية المعنية به، وهو مطلب الانقلابيين من أجل توفير نصير لهم وداعم قوي بمجلس الأمن، وإذا حصل هذا سيكون بيدها مقايضة الغرب لما أشرنا له سلفا، وانعقاد مجلس الأمن لبحث الوضع باليمن مرتين بدعوة منها يندرج في إطار الضغط لدخول اللجنة.

ويمكن فهم الموقف الروسي من جهة العلاقات مع إيران والتي تتطلب منها أن تكون فاعلة بقوة بملف اليمن لاستثماره لصالحها ووكلاء حليفتها، وإلا فليس لديها مصالح اقتصادية أو قواعد عسكرية باليمن، وبناء عليه لن تذهب أكثر من الضغط السياسي والدبلوماسي وحتى هذا سيظل يدور في فلك الموازنة مع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج والتي لن تفرط فيها.

الأيام القليلة القادمة ستوضح الصورة أكثر وسنعرف أين ستتجه الأمور.