الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢١ مساءً

مقطع مستفز!

سلمان العودة
السبت ، ٢٧ مايو ٢٠١٧ الساعة ٠٢:٠٢ مساءً
لن أنسى ذلك اليوم الذي نُشرت فيه خبر موت الأستاذ محمد قطب -رحمه لله-، ثم تبين أن الخبر غير صحيح، وتكرر الشيء ذاته مع الشيخ محمد الصابوني، وكثيرون نشروا خبراً مشابهاً يتعلق بالشيخ أبي بكر الجزائري. حين تتورط في نشر خبر سلبي، وكأنك تسعى إلى السبق، فأنت بذلك تصنع في نفسك ميلاً إلى صحة الخبر وتأكيده، لأنك لا تفضّل أن تكون موصوفاً بالتسرع أو الاستعجال، أو أن تكون مصداقية أخبارك على المحك!

كم تداول المتابعون في الشبكات الاجتماعية هذا الأسبوع من مقطع فيديو؟ كم وسماً (هاشتاقاً) تفاعل ووصل الذروة (الترند)؛ لأنه يدور على وجه الخصوص حول نقد مقطع ديني أو اجتماعي؟ لندع المقاطع الإيجابية البانية للقيم المعالجة للمشكلات، وهي جميلة وكثيرة وتستحق الإشادة، ولكنني أريد الحديث عن ذلك اللون الذي يطلق صاحبه القول دون تفعيل جهاز التحكم، ولا يستحضر ردود الأفعال عليه، ولا يخطر بباله تنوع المشاهدين واختلاف ثقافاتهم وميولهم ومقاصدهم ومواقفهم.. وقد يُعبِّر عن رأي شخصي غير مدروس، أو عن ثقافة محلية تتلبَّس بلبوس الدين، أو عن فكرة تلقَّاها دون تمحيص، أو كلمة مرسلة أُطلِقت بتسرع ودون تفكير، وربما كانت من عثرات اللسان.

مثلاً:

-كلمات عنصرية ضد قبيلة أو شعب أو إقليم أو لون تقال للاعب أو طالب أو مُراجِع، ولعل قائلها لم يعلم أن العدسة تترصد له في الخفاء!
-فتوى سريعة في شأن علمي يتعلَّق بالفضاء أو الجغرافيا أو الفلك أو خلق الإنسان أو الطب.. يقوله غير متخصص ويجزم بأنه حكم القرآن!
-غيرة غير منضبطة تحدث انفعالاً على المنبر فيقع الخطيب في مزلق تعميم الاتهام لشريحة واسعة ممن يخدمون المجتمع وينتمون إليه؛ بناءً على سوء ظن أو حادثة مفردة، أو بناءً على شائعة تداولها الناس دون تثبت!

الخطأ من طبع الإنسان، والأعمال بالنيات، والتماس العذر للمخطئ من شيم الكرام، ارفق بالمخطئ لأنك ستكونه يوماً ما! وقد غلط رجل فقال: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ"، ولم يؤاخذ، بل كُتب أجره؛ لأن نيته كانت تعبداً وشكراً لله، كان يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فأخطأ من شدة الفرح!
لو أن هذه الكلمة سُجّلت على شريط وعُرضت على الناس، وخضعت لتعليقات المشاهدين في اليوتيوب، وتويتر، والفيس بوك وغيرها؛ لتلقَّاها كثيرون تلقياً سلبياً، وأساؤوا الظن، وأصدروا الأحكام، ووسَّعوا الكلام!

وقال الربيع للشافعي حين عاده في مرضه: يا إمام قوَّى الله ضعفك، فردَّ الشافعي: لو قوي ضعفي واشتد وزاد لقتلني، قال الربيع: والله ما أردت إلا الخير، أجاب الشافعي: والله لو سببتني لعلمت أنك ما أردت إلا الخير! قال الربيع: ما أقول؟ قال قل: أذهب الله ضعفك أو شفاك الله أو نحو هذا!

رفقاً أيها المعلقون واختاروا ألطف الألفاظ وأحسنها، وانتقوا العبارات كما ينتقي آكل الطعام أطيبه!
تثبَّتوا من سلامة المقطع من التصرف والتلاعب والتقطيع والبتر. تحرّوا عن وقته أهو جديد أم قديم؟ وبينهما فرق، فربما كان رأياً لإنسان ورجع عنه.

انظروا: هل عزل المقطع عن سياقه ليؤدي معنى مختلفاً غير مقصود؟
عالجوا الخطأ بالصواب والحكمة والبصيرة والتصحيح، لا بالسب والشتم وردّة الفعل المضادة.
لا تنشروا (ولكم الأجر) في القروبات والشبكات شيئاً يسوؤكم أن ينسب إليكم أو إلى أحد أولادكم أو بناتكم أو من تحبون، ولتأتوا إلى الناس الذي تحبون أن يأتوه إليكم..

ضعوا أنفسكم محل من وقع منه الزلل، وتخيّلوه يقرأ هذه الردود التي تهاجمه بعنف وتوبخه، وتسخر منه وتُعيِّره، ويتصاعد الهجوم حتى يدخل فيه (الكوماندوز)؛ الذين وقفوا أنفسهم للهيشات والمعارك، فهم يفزعون عندها بمساحيهم وفؤوسهم ومطارقهم وبنادقهم، ولا يوفرون أحداً، ولا يترددون في لفظة ولو للحظة!

تساءلوا بينكم وبين أنفسكم: هل هذا المتحدث سليم النفس متزن العقل مدرك لمعنى ما يقول؟ أم هو في حال اضطراب واكتئاب، وحالة عقلية ونفسية تستدعي الرفق والتأنّي؟

الوسائل والتقنيات الحديثة ليست مجرد أدوات للنشر والتواصل، بل هي صياغة جديدة للفكر وأسلوب الحياة، تقتضي وعياً يقظاً في التعاطي مع ما يطرح وينشر، وتأنياً، ونجاةً من مغبة السبق والتسرع {أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6:الحجرات).

من السهل أن ترمي من في الحفرة بحجارة.. ومن النبل أن تحاول مساعدته للخروج.