الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤١ مساءً

الخذلان.. لأعلى سعر

سعدية مفرح
الخميس ، ٠٨ يونيو ٢٠١٧ الساعة ٠٤:٣٢ مساءً
لم يروّعني مشهد تلفزيوني هذا العام، كما مشهد الفنانة نيلي كريم في مسلسل "لأعلى سعر" الذي يعرض هذه الأيام على فضائيات عربية، بعد اكتشافها خيانة زوجها ولجوئها إلى أفراد عائلتها، كي يقفوا إلى جانبها في صدامها معه، كما وعدوها ومهّدوا للأمر، لكنهم خذلوها.

في تلك اللحظات التلفزيونية التي أدّاها جميع من شارك فيها باقتدار لافت، كانت جميلة، وهي الشخصية التي تؤدي دورها نيلي كريم، تتهاوى من داخلها، بعد أن اكتشفت أنها تتكئ على جدار ضخم مصنوع من الهواء، فكل أفراد عائلتها تقريبا يعملون في المستشفى الذي يملكه زوجها، ويحصلون على امتيازاتٍ ماديةٍ كبيرة، منعتهم من الوقوف إلى جانبها، في وقتٍ كانت بحاجتها الماسّة إليهم.
لا شيء في الحياة أصعب من الاتكاء على جدار مصنوع من الهواء، وأنت تظن أنه مصنوعٌ من الصخر، تتهاوى بلا تحضير ولا استعداد بدهشةٍ تأكل روحك وعيون مفتوحة على فراغ الموت.
قصة المسلسل التي لم أشاهد منه سوى الحلقات العشر الأولى، قبل كتابتي هذه السطور، عن علاقة زواج ناجح بين طبيب شاب وراقصة باليه ناجحة ضحت بعملها ونجاحاتها لتقف إلى جانب زوجها المتطلع نحو نجاحه الخاص، لكن جميلة، في خضم ست سنوات من عمر الزواج، كانت تتقهقر إلى الوراء شيئا فشيئا، متخليةً تدريجيا عن طموحها الشخصي وأحلامها وآمالها في تحقيق ذاتها، وخصوصا بعد أن أنجبت طفلةً انشغلت بتربيتها عن كل شيء خارج بيتها، بينما استمرّ زوجها في الصعود، غير آبه بغير نجاحاته في عالم جراحات التجميل، حيث كان يحوّل ما يراه قبحا في الجسد البشري إلى جمال ظاهري عبر المشرط، في مفارقةٍ مع جميلة التي تخلت عن جمالها بشكل انتقامي لا واع، فسحبت جسدها النحيل من حلبة الرقص وبدلة الباليه، لتدسّه في جلباب واسع، وترتدي فوقه نقابا أخفى ملامحها التي استجابت لكل تحوّلاتها النفسية، حتى زاد وزنها وسط لا مبالاتها بكل ما حولها من تغيرات.
في القصة التي كتبها السيناريست مدحت العدل تفاصيل كثيرة، ترسم ملامح علاقات بشرية غارقة في جبروت التطلع والأنانية، في عالم تغيرت فيه طبائع تلك العلاقات بين الزوج والزوجة، وبين الصديق وصديقه، وبين الأخ وأخيه، وبين الأب وأبنائه، حيث تنتظم معظم تلك العلاقات في خيط الخيانة، بشكلها الفاقع، حيث يخون الأخ أخاه، والزوج زوجته، والصديقة صديقتها، وبشكل خفي، حيث يخون المرء ذاته عندما يتخلى عن رغباته وآماله الجميلة، تحت وطأة الشعور بالعجز أو الإحساس باللاجدوى من أي شيء.
وعلى الرغم من أن الكاميرا تمر سريعا وبنعومة فائقة على كل تلك العلائق المتشابكة، إلا أننا نكتشف من خلال ذلك المرور أننا لا نفعل سوى تذكّر ما حولنا من بشرٍ لنسقط ما نراه عبر الشاشة عليهم، وعلى علاقتنا بهم أيضا. هذه واحدةٌ من خصائص الدراما الناجحة التي بقدر ما تكون منفصلةً عن واقعك تنجح في دمجك مع أحداثها، لتكون واحدا أو أكثر من شخصياتها، ليس عبر الأحداث دائما، بل عبر المواقف والكلمات والأفعال وردود الأفعال.
ولأنني في طور المتابعة الشائقة، لا أدري إلى أين ستتجه الأحداث، بعد لحظات الخذلان التي تكاد تساوي بقية المسلسل كله، بالنسبة لي على الأقل، خصوصا أن أغنية المسلسل تعبّر عن تلك اللحظات وحدها بكلماتٍ غارقةٍ في الوجد والشجن والحزن المكتوم، والذي تعامل معه صوت الفنانة نوال الزغبي بحساسيةٍ مبهرةٍ لتكون الأغنية بؤرة المسلسل الدرامية، ولحظة التنوير الأخيرة فيها، على الرغم من أنها ترافق الحلقات من البداية حتى النهاية، بالنواح القاتم: "ملعون أبو الناس العزاز/ اللي لما احتجنا ليهم/ طلعوا أندال بامتياز/ الغريب لقيته حن/ والقريب شيطان وجن/ حاجة تهبل أو تجن/ والمشاعر من أزاز"

"العربي الجديد"