الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٣ مساءً

رحلة البحث عن دكتاتور

عبدالاله تقي
السبت ، ٣١ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
نظراً لتفضيل رئيسنا "الحائز على شرعية شعبية كبيرة ودولية أكبر" وحكومتنا "المتوافقة مع المعارضة" إبقاء نفس سياسة وضع الشعب "الراهن" على ما هي عليه، بدأ يداهم الكثيرين من أفراد الشعب التفكير بالحاجة إلى تبديل الوضع برمته بإجراء صغير عرفه مؤخراً جيداً، ومن ثم إعلان حاجتهم إلى توظيف رئيس دكتاتوري "صالح" ليتفرغ لقيادة التنمية وسد جوع الفقراء الذين لم يمر الغذاء على معدتهم لشهور بفضل ديمقراطية عمرها 21 عاماً لم نر منها الا حرية "لغاجة" اللسان، بعد أن فشلت تلك الديمقراطية في التزام المسار الديمقراطي لتحقيق التنمية المستدامة أو الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية المنشودة.

وواقع الأمر أن الشعب الذي ثار على الكذب الفردي المستبد ملّ الكذب الديمقراطي ويريد إسقاط فكرة الحكومات الديمقراطية ليبحث عن حاكم "فدائي" قوي وصالح ليمنحه شرعيته وسلطات غير محدودة للالتفات إليه قليلاً بدلاُ من تضييع أولئك القادة سنوات أخرى من عمر الشعب في استجداء "مواطن" لترك ترسانات أسلحة استولى عليها يوم انتهت شرعيته لتعود ملكيتها إلى جيش الشعب، بينما في نفس الوقت لم يعد الرئيس يبدي أي اهتمام ملموس إزاء أراضي واسعة تُحتل من قاعدة ليس لها قاعدة، ومواطنين تُرش دماؤهم لتخفيف وطأة جفاف عشرات الهكتارات في حجة وأماكن أخرى ليس لهم فيها أي شرعية، و7 ملايين مواطن بلغ بهم الأمر انعدام حصولهم على الغذاء بشكل حاد. لقد زعم أنه فدائي ولا يزال قلم فخامته مرتعشاً على الورق ويفضل أن يختار خدمة أولويات "مواطن" بلا شرعية على خدمة وطن يحتضر وهو صاحب كل الشرعية، ليبدو هو وحكومته المعاقة أنهما غير معنيان بذلك الاحتضار.

يريد الشعب أن يحكمه أمثال الدكتاتور المرحوم ابراهيم الحمدي والدكتاتور مهاتير محمد ممن يقترب من الشارع وهمومه وممن يمتلك عقلاً ضخما مستوعباً لأحلام الناس الصغيرة. وليس الأمر مجرد رغاء خيال بل ان البيئة الاستثمارية المشجعة التي سادت بعض الدول النامية في جنوب شرق آسيا جعلت منهم نموراً قوية بلغت ريعان شبابها وطاقتها في منتصف التسعينات بينما كانت الاقتصادات الديمقراطية لأوروبا والولايات المتحدة تعاني ركوداُ خطيراً.

لقد استجد الاهتمام بالبحث عن مثل ذلك الحاكم بسبب نجاح بعض الدول مثل سنغافورة على التغلب بكفاءة لواحدة من أكبر المشاكل التي تعوق جهود القضاء على التخلف الاقتصادي وهى مشكلة الفساد في حين لم تستطع ست من الدول الديمقراطية المجاورة لها مجاراتها بتلك القوة في ذلك، بالرغم من أن معظم الدول التي نجحت في كبح الفساد هي دول ديمقراطية لا شك، بينما يبدو أن الدول القابعة أدنى سلم ترتيب مؤشر منظمة الشفافية العالمية ومؤشر النزاهة العالمية ومؤشرات الحكم الرشيد التي يصدرها البنك الدولي تكون إما دول تحت أنظمة شمولية أو أخرى فشلت في تطبيق الديمقراطية كبلادنا التي تقدم حصانة للفاسدين ثم تستجديهم طويلاً كطفل يرفض بإصرار أن يسلم لأمه لعبته حتى يخلد للنوم.

من الثابت أن الديمقراطية الحقيقية هي الطريق نحو النمو الاقتصادي القوي لكن بلاداً كبلادنا وعقليات مخلولة كعقليات نخبتنا وقادتنا لا تستهوي إلا الركض وراء السراب في واقع يزدحم بالنواظير الرقمية وكاسحات الأكاذيب الليزرية فجعلت من لمس السراب هدفها الذي سيجلب لها أضواء الكاميرات العالمية لكن بعد أن يكون الملايين من شعبهم في خبر كان.

ربما تنبع الرغبة في تولية هذا الدكتاتور لمقاليد الحكم من الانطباع الشائع والتاريخي بأن القائد القوي عادة ما يكون أداؤه أكثر فعالية من أنشطة المؤسسات الديمقراطية اليمنية خاصة حينما يرتهن الأمر بتحقيق التنمية والحد من الفقر والانصاف بين فئات المجتمع المختلفة.

لم تكن فكرة البحث عن هذا الدكتاتور فكرة سخيفة طالما لم يتعلم قادتنا الدرس جيداُ، بل انه أمر مجرب ولدى دول ذات اقتصادات أقوى من اقتصادنا المديون. فقد ظهرت حقيقتان في هذا الصدد كشفهما استطلاع دولي نفذته مؤسسة بيو (PEW) عام 2009 على عينات شملت دولاً أوروبية ودول الاتحاد السوفيتي السابقة. أولى الحقيقتين تقول أن معظم دول الاتحاد السوفيتي السابق التي تعاني من "اشكالية الديمقراطية اليمنية" فضلت بناء اقتصاد قوي بدرجة أكبر من رغبتها في ترسيخ ديمقراطية سليمة. وفي غرب أوروبا والولايات المتحدة ظهرت نتائج الاستطلاع مغايرة لذلك. فعلى سبيل المثال، أفاد أكثر من 70% ممن المستطلعة آراؤهم في المجر وروسيا وليتوانيا، وأوكرانيا وبلغاريا إلى أن بناء اقتصاد قوي يفوق أولوية إرساء ديمقراطية سليمة، بينما لم تفق النسبة التي يمثلها ذوو هذا الرأي عن 26% في الجمهورية الفرنسية و36% في بريطانيا، و45% في الولايات المتحدة. كما اسفرت الحقيقة الثانية أن غالبية دول الكتلة السوفيتية السابقة –عدا التشيك وبولندا وسلوفاكيا – فضلت وجود زعيم قوى بدرجة أكبر من تفضيلها وجود حكومة ديمقراطية.

هذه هي المعادلة التي قد لا يعرف أحد شيئاً ثقافة الأولويات وثقافة المسايسة على حساب ملايين البطون الجوعى و الأيدي العطلى وآلاف النساء الثكلى والدماء المسفوحة والأرض المسموحة للجميع. وفي الحالة اليمنية الراهنة، يبدو أن الناس لم تعد ترى مانعاُ في وجود رئيس قوي وحازم يقدم أولويات الملايين التي صنعته بدلاً من آخر يؤثر رضا صانع موت الملايين التي صنعته .