الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٥٣ صباحاً

التأريخ اليمني مفارقات عجيبة.. دعوة للتأمل ..

صالح السندي
الأحد ، ٠٨ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً
ربما لن يتوقف التأريخ اليمني المعاصر عند الثورة الشعبية الشبابية السلمية التي حتى الان لم تقطف ثمار النصر الاكيد ولم تحقق التغيير المنشود , وبقراءة متأملة وعابرة وعودة الى الوراء الى تأريخ اليمن مع الثورات والانقلابات في شمال الوطن وجنوبة , نجد فوراق تأريخية عجيبة تدعو للقراءة الجادة والتأمل , وبناءا عليها ربما رسم مستقبل الايام وما ستؤول اليه احوال اليمن , وتتركز هذه الفوارق التأريخية في ثلاثة محاور تأريخية متغيرة تفرض رؤيات وتغييرات جديدة وجذرية ملموسة على أرض الواقع .

1-المساومة السياسية التفاوضية بين اقطاب العمل الثوري والحاكم.

2-الدور القبلي والشعبي في مختلف الثورات والانقلابات اليمنية الحديثة .

3- الدور الدولي والاقليمي في مسار التغيرات الوطنية الداخلية .

المساومة التفاوضية السياسية في العملية الداخلية الوطنية ربما تكون عقيدة متأصلة ومتجذرة في التغيير الوطني اليمني الحديث , فالمتطلع لسير التأريخ اليمني يكاد يجزم ان المساومة وتبادل الادوار والتفاوض ركيزة أساسية وسمة من سمات الثورات والانقلابات اليمنية , وبمرور سريع على شريط الاحداث نجد أنه في انقلاب عام 1948 الذي قام به عبدالله الوزير نائب الامام وانتهى بفشله , حدثت فيه مداولات عدة لكون من قام بالانقلاب أساساً هم من الهاشميين انفسهم ضد الامام يحيي الذي لم تتوافر فيه الشروط الاربعة عشر لتولي الامامة , ولم يكن عالما وساد الفساد والظلم في عهدة , فبعد مداولات عدة صدرت فتوى من عدد من معظم علماء تلك الفترة بالخروج على الامام الظالم يحيي حميد الدين ونفذ الشيخ على ناصر القردعي الفتوي وتم اغتيال الامام عام 1948 وتولى الحكم عبدالله الوزير نائب الامام الذي توفرت فيه الشروط لكن السيف ( احمد يا جناه ) لم يستسلم وحمل قميص عثمان للثأر لأبية والتف على صنعاء بمعونة مقاتلي قبائل حجة وحاشد وصعدة ودخل صنعاء واعدم كل من انقلب على أبية , ونهبت مدينة صنعاء واستبيحت للقبائل الغازية ولم تسلم حتى المساجد من النهب والسلب وبعدها تولى السيف احمد الامامة ولقب نفسه بالناصر لدين الله .

إذن كانت هناك شبه ثورة او انقلاب قامت به طبقه من المجتمع أدى الى مقتل الامام وعودة مقاليد الحكم مجددا الى القصر الملكي في عباءتة الجديدة , وبعد عملية ثأريه إنتقامية بمعونة القبائل عادت الامور الى سابق عهدها.

وفي 31 مارس عام 1955، حدث انقلاب قام به المقدم أحمد يحيى الثلايا. وقد قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام في قصره في مدينة تعز. وطالبوا الإمام تسليم نفسه وهو ما حدث, وقد اختلف قادة الانقلاب فيما بينهم على مصير الإمام , فبعضهم اقترح قتله والبعض الآخر اقترح أن يستبدل بأخيه الأمير سيف الله عبد الله , وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثلايا, كما قامت سيدات الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا لهم "يا غارة الله بنات النبي" أي أنهن بنات الرسول من الأسرة الهاشمية , فهجمت القبائل على تعز وفشل الانقلاب.

إذن كانت هناك ايضا شبه ثورة او انقلاب قامت لنفس الاسباب السابقه وتقريبا حدثت في طروف وملابسات معينة وادت الى نتائج مماثله , ولكن المداولات والمساومات والاختيار الخاطئ والعودة مجددا من الباب الخلفي الى القصر الحاكم عبر استبداله بأخية الامير سيف الله عبدالله , عجل في زوال الثورة وفشل الانقلاب , وغالبا كانت هذه المداولات والمساومات تأخذ وقتا طويلا مما سهل للامام والحاكم استغلال ذلك في التآمر وشراء الذمم والافلات مجددا من العقاب والعودة الى الحكم اكثر قوة وبأسا.

وبالانطلاق مجددا الى ثورة 26 سبتمبر المجيده كانت ثور حقيقية لاكتمال شروط الثوره وتحققها فيها , ولما كانت تتمتع به من مد شعبي ودولي داعم و مرافق كبير , هنا لعبت المساومات والمفاوضات دوار هاما اطال من عمر الثورة ولم تحقق منجزاتها وانتصاراتها الا بعد مضي سبع سنوات عجاف من عمر الثورة الشعبية , انهكت الوطن ووضعته رهن الجوار والخارج , فبعد وفاة الامام احمد يحيي حميد الدين متأثرا بجراحة على يد الثوار الاحرار محمد العلفي وعبدالله اللقية في تعز كانت صنعاء تتوهج استعدادا للثورة وتنفيذا لاسقاط اجندة الامامه والحكم الملكي كاملا في اليمن , وبخطط مدروسه وتخطيط مسبق كتب لها النجاح النسبي , لولا التدخل السعودي والاردني والدولي بارسال قوات الى الحدود اليمنية لمواجهة الثورة ومجابهة القوات المصريه تخوفا من المد الناصري في المنطقة , ومع هروب الامام البدر الى حجة لتجييش انصاره وجمع عتادة والاستعداد لمواجهه قادمة ضد الحكم الجمهوري المركزي في العاصمة صنعاء , ولعبت القبائل اليمنية الموالية للحكومات والانظمة ادوارا كبيره جدا خلال الانقلابات والثورات المتلاحقة وساهمت بشكل او بآخر في تقويض الحركة الشعبيه للتغيير .

وكان الدور الدولي والاقليمي في دعم الانظمة الحاكمة والمستبدة في اليمن يلقي بظلاله على المستقبل اليمني , وكما تم قديما الدعم المطلق للنظام الملكي الحاكم بالمال والسلاح ومختلف التجهيزات العسكرية والحربيه بل وصلت الى حد التدخل العسكري المباشر هاهو يتجدد الان لدعم نظام الاسرة الحاكمة الواحدة في اليمن , ففي ثورة 26 سبتمبر وما صاحبها من تغيرات دوليه ومواقف متباينه اعلنت ألمانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، والأردن، دعمهم لنظام الإمام بينما أعلنت مصر، إيطاليا، وتشكوسلوفاكيا، دعمها للثورة الجمهورية.

وكانت اليمن خلال ثورة 26 سبتمبر والى سبع سنوات بعدها مسرحا حيا وصاخبا بالاحداث والتدخلات العسكرية المباشرة وتصفيه للحسابات الإقليمية والاطماع الدولية في اليمن , رافقها العديد من المؤتمرات والاتفاقيات والمفاوضات ادت في نهاية المطاف الى ارتهان اليمن للخارج كليا وقتل الارادة الشعبية وفرض الاجندة والإملاءات الخارجية بقوة , ولكن في نهاية المطاف انتصرت الارادة الشعبية حينها بفك حصار السبعين يوما عن صنعاء عام 1967 , مما ساهم في الاعتراف الدولى مؤخرا بالنظام الجمهوري.

هنا الـتأريخ يعيد نفسه بنفس الشروط والملابسات والاحداث والتدخلات والمفارقات , فهل سننتظر سبع سنوات أخرى حتى تتحقق انتصار الجمهورية الثانيه ويتم تثبيت الحكم المدني الديموقراطي الحديث , وحتى تلك اللحظه للحديث بقية ..