الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٦ مساءً

لماذا أفشل الرئيس اليمني المبادرة الخليجية

عبدالله محمد القاق
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
أفشل الرئيس اليمني "علي عبدالله صالح" المبادرة الخليجية بعد ان اعلن اكثر من مرة عن استعداده للقبول بها لأنها تجنب الشعب اليمني خطر الانزلاق الى الحرب الاهلية او تقسيم اليمن الى دويلات جديدة مما يثير الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة الخليجية بل والعربية ايضا. هذه السياسة التي انتهجها الرئيس اليمني عبر ثلاثة أشهر من الاضرابات والاعتصامات والعصيان في بعض المدن اليمنية اكدت أن الرئيس ما زال متمسكا بالسلطة ولا يريد ان يتركها حتى ولو تحولت اليمن الى مسرح للحرب.. او انزلقت الى المزيد من عمليات القتل والقمع.. وزيادة الوضع اليمني فقرا وسوءا في الاقتصاد.. والفاقة والبطالة!.

الرئيس اليمني رغم الضمانات التي قدمتها الدول الخليجية له لحقن الدماء إلا أنه ما زال يرفض كل اقتراح عربي او دولي لوقف القتال او حل الازمة الراهنة في اليمن مما اثار شكوك القادة العرب برغبته بالتنحي عن منصبه الذي امضى فيه حوالي ثلاثة وثلاثين عاما وهو يتقلده دون ان يسهم بتطوير وتحسين مرافق الدولة.

فهذا الحاكم الذي يرى الملايين من شعبه تجوب الشوارع وترفع علامات العصيان والمطالبة برحيله لا يقبل الانصياع لإرادة الشعب وهو الذي يعلن بأن "السلطة الشعبية هي المصدر الحقيقي للحكم" فأين كلامه على ارض الواقع ومن عملية التطبيق العملي المطلوب في هذه المرحلة رغم الضمانات التي قدمت له وقد اراد التحايل على دول مجلس التعاون الخليجي التي دعمته بالنهوض باقتصاده وساعدته في مواجهة الحوثيين وادعاءاته محاربة القاعدة في اليمن.. كل هذه القضايا لم تجعل الرئيس اليمني ينصاع لهذه المطالب التي تدعمها عديد الدول الاوروبية، وهنا يتساءل المرء اذا كانت الولايات المتحدة والدول الاوروبية تشدد من قبضتها على الحكم الليبي وتطالب بشدة العقيد القذافي بالتنحي فلماذا لا تتحرك الولايات المتحدة التي تربطها بالرئيس اليمني علاقات وطيدة وقوية من اجل مطالبته بالتنحي بالقوة؟ وهل سكوتها يعني رضاها عن بقائه بالرئاسة اليمنية وعدم رغبتها بتنحيه كونه يسمح لقواته بضرب ابناء شعبه الذين تتهمهم الولايات المتحدة بأنهم افراد من "القاعدة"؟.

ان سكوت امريكا على ما يجري في اليمن وعدم اتخاذ اجراءات حاسمة وحازمة ضد رئيسها من شأنه ان يلحق الاذى والضرر ويزيد من زهق الارواح في اليمن جراء هذا التواطؤ والتخاذل الامريكي والاوروبي بخاصة أن الرئيس اليمين برفضه هذه المبادرة الخليجية يعني استمراره بالحكم وبمناهضة الشعب اليمني الذي يطالبه بالرحيل كحل واحد من اجل انهاء هذه الاعتصامات الكبيرة في الشوارع والمدن اليمنية.

فالرئيس صالح لا يريد ترك الرئاسة مهما كانت المبادرات او العروض السخية بعدم محاكمته مع اقاربه وانصاره وهو يراوغ في البقاء بمنصبه حتى انتهاء ولايته الدستورية عام 2013 علما بأنه وافق عبر مختلف الاتصالات التي اجراها امين مجلس التعاون الخليجي على التنحي عن منصبه خلال شهر واحد مع ضمان الحكم لنائبه وعدم تعريضه للمحاكمة.. غير ان هناك من يرى ان دعما امريكيا هو الذي يقف وراء بقائه في الحكم وهذا يعني ان صالح استطاع عبر سياسته ومراوغاته ان يسقط المعارضة اليمنية في فخ نصبه لها لمواجهة هؤلاء الوسطاء الخليجيين لأنه لا يهمه بقاء اليمن من عدمه الا اذا بقي في منصبة كرئيس لليمن لسنوات اخرى، وهو الذي يتشدق بأن اليمن تختلف عن مصر وتونس.

لقد استطاعت الدول الخليجية في السابق حل عديد القضايا لليمن الذي يمتاز بنسيجه الاجتماعي وبموازين القوى القبلية فيه حيث استضافت الدول الخليجية عديد المعارك للتحكيم بين اليمنيين.. ففي الستينيات استضافت السعودية اسرة الإمام المخلوع "البدر حميدالدين" وقد يعرّج هذا الموقف باتفاق جدة بين السعودية ومصر وثوار اليمن كما أن سلطنة عمان استضافت في نهاية الحرب اليمنية "الشمال مع الجنوب" في التسعينيات الخاسرين من قيادات الجنوب وكان من بينهم: علي صالح البيض وابو بكر العطاس، لذلك فإن الدور الخليجي بخاصة الذي تقوده السعودية لإحلال الوئام في اليمن ليس جديدا بل انه في صالح الرئيس اليمني الذي يمنحه حق الخروج الآمن لأنه افضل من كل الحلول التي قد تحول اليمن الى ليبيا كما هو الحال في الوقت الحاضر، لأن الدول الخليجية منحت الرئيس اليمني ضمانات عديدة هي في صالحه.. وهدفها في الوقت الحاضر عدم تمزيق اليمن او اثارة النعرات بين القبائل بل ان هذه الدول تريد اعطاء الشعب اليمني فرصة لتقرير مصيره بصورة ديمقراطية.

فالرئيس اليمني سبق أن صرح بأكثر من مناسبة أنه سيتعامل بـ"إيجابية" مع خطة مجلس التعاون الخليجي الذي منحه عضوية المراقب في المجلس للحصول على مساعدات إلا أنه عاد ونكث وعده مما دعا المعارضة اليمنية الى مطالبة الدول الخليجية بوقف مفاوضاتها وحواراتها مع الرئيس اليمني وشددت على انه لا مبادرة بل "مغادرة" فورية لحل النزاع.

ان استمرار الرئيس اليمني بعدم موافقته على هذه المبادرة سيعرض اليمن الى خطر الانقسام والتفرقة وسيسهم بإنطلاق شرارة الحرب الاهلية لا سيما أن الشعب اليمني كما يقول الرئيس كله مجهز بالاسلحة المختلفة ولا يمكن السيطرة على فئة دون اخرى.

الأمل كبير بأن ينصاع الرئيس اليمني لهذه المبادرة والتي تركت دول المجلس الباب "مواربا" من اجل موافقته مجددا على بنود هذه المبادرة والتي تهدف الى تنحيته عن منصبه واقامة حكم جديد وحكومة تشارك فيها المعارضة تمهيدا لإنهاء العصيان في اليمن وإعادة الأمن والاستقرار الى ربوع البلاد بدلا من هذا الاصرار غير المجدي للرئيس بتمسكه بالسلطة حتى ولو أدى ذلك الى إفناء الشعب اليمني بأكمله.
*نقلاُ عن الدستور الأردنية