الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٩ مساءً

قراءة في الخفايا الإستراتيجية الأمريكية ضد إيران واليمن..

صالح السندي
الخميس ، ١٩ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
لم تكن حمّى اللعبة السياسية والصراعات القائمة ضد القاعدة في أبين والمنتشرة طولاً وعرضاً في أكثر المحافظات الجنوبية والشرقيه ببعيدة عن دقّ الوتر والتوتر على انغام سيمفونية الحرب في الخليج العربي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية , القدر يحترق ويخفي طبخة قريبة جاهزة للأكل أعدّ لها مسبقاً تلعب في محاورها الثلاث امريكا والقاعدة وعملائها ادواراً رئيسية وبارزة في المنطقة , وهنا نستدل عليه من التزامن الحاصل في وقوع الاحداث في فواصل زمنية قياسية قريبة , فبينما حكومة الوفاق الوطني منهكة ومنهمكة في تنظيف طرقات العاصمة التي فاحت رائحتها وملأت الاصقاع والاعلام العالمي بطريقة مخزية جدا , انهمك الرئيس السابق وانصاره بإعداد طبخة من لون آخر بعيدة كل البعد عن الأضواء الاعلامية , وكما هي العادة جرى التآمر ومن خلف ستار لحبكة درامية بعيدة المدى , هنا برز دور القاعدة كلاعب رئيسي و عنصر توتر فعال وغير مسبوق لم يكن على الحسبان , ليظفي للمشهد السياسي اليمني لونا وطعما آخر في حدة التوتر المتفاقم المصاحب لعجلة التغيير والسياسة الوطنية , أبين والقاعدة وحمّى الصراعات التي لا تنتهي توّجت بقدوم اللجان الشعبية كحامي رئيسي للديار الأبية في ظل غياب قوات مكافحة الارهاب وتمركزها في العاصمة لتذود عن السلالة الحاكمة من الانقراض , فلا وقت هناك لتضيعه قوات البواسل للزمجرة في وجة الإرهاب المستشري بشدة ودحر خطر القاعدة , الذي ينخر في عظم الجسد اليمني ليفتته ويحرقة ويحيلة رماداً وأثراً بعد عين.

هنا القاعدة الرئاسية دورها محوري ومهم كخط دفاع وعودة للرئيس السابق وسلالته الحاكمة , ومالم يتم الحصول عليه بأنصار الشرعية سيتم نيلة عن طريق انصار الشريعة , وحين تم تسليم الحكم عنوة من باب الرئاسة والقصر سيتم العودة اليه مجددا اكثرة قوة وبطشا من البوابه الخلفية بمساندة القاعدة وامريكا , فسلاح القاعدة عنصر فعال ونشط واثبت نجاحا وفاعلية عالية في حسم اكثر الامور الدولية تعقيدا لصالح فئات ضد أخرى في ميزان التوافق الاممي , والعراق خير مثال لذلك , حين اعادة القاعدة الاحتلال الامريكي ومراكز القوى المسيطرة مجددا الى نصابها السابق , واطالت من عمر الاحتلال الامريكي للعراق , وجرّت العراق الى مسلسل دموى وصراعات لا تنتهي , استفادت منها اطراف معينة في العودة مجددا الى الحكم ورسم ملامح سياسية جديدة , تفرض نفسها بالقوة والسلاح والإرهاب , وهناك على الخليج العربي تقبع الجزر الإماراتية المتنازع عليها وظهر مؤخرا صداها الى السطح والبروز الاعلامي , لماذا ؟ حين فشلت السياسات الامريكية العالمية والعقوبات الاقتصادية ضد الجمهورية الاسلامية في فرض واقع جديد , ومع اثبات فشل الدعاوى الدولية بخطر التهديد النووي الايراني مؤخراً , فالاوراق الامريكية المتساقطه تباعا في المنطقة واليمن والخليج لم تنته بعد , تم الاستفادة من ورقة الجزر المتنازع عليها أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى كضغط دولي لتوجية الملف الايراني الى التصعيد بعد ان اثبت مصداقيته وسلامة الابحاث والتجارب النووية , فكان لابدّ من الاستفادة اولاً من تأجيج الخلاف العربي الايراني , ثانيا كان لا بدّ من ايجاد البدائل الفعّالة في المنطقة في حال فشل المعادلات القائمة في حسم الامور لصالح السياسة الامريكية , وتباعا علية انتهجت وسائل الاعلام العربية وكما هي عادتها السياسة العمياء في تحليل الامور السياسية والضرب على الوتر الامريكي والغناء معه والدوران في فلك السياسة الامريكية ومخططاتها التآمرية.

وسيكون ملف الجزرالإماراتية ربما حجر الزاوية في الخلاف العربي الإيراني مستقبلا , إذا لم يتم معالجتة بالحوار والمنطق والتفاوض السلمي , ستستفيد منه امريكا وحلفائها في كسب المزيد من الانصار في حال توجية ضربات استباقية لايران الاسلامية بدعاوى مختلفة , وبرسم مثلث الجزر الثلاث القابعه على مياة الخليج , وبخط مواز ممتد الى حمى الصراعات في ابين واليمن نجد خط مستقيم ومباشر و سهم سياسي موجّه الى ايران واليمن , ممتد من اراضي الجمهورية اليمنية ومتجه الى ايران مرورا بدول الخليج العربي الواقعة تحت السيطرة الأمريكية , و يلقي بظلالة على مناطق التوتر وبؤر الصراعات المستحدثة , ويضع اليمن وايران في مواجهة مصير حتمي واحد , وامام شبكة تآمرية دولية واحدة , هنا استفادت امريكا من سياسة البدائل في فرض واقع جديد ومختلف تماما في اصول اللعبة السياسية في المنطقة , فكثرة الصرعات واختلال الموازين وانعدام الامن والاستقرار سيخدم امريكا في بسط السيطرة المطلقة على السياسة الخليجية اليمنية , ليست ببعيدة عن مواجهة المارد الايراني المقاوم , فحين فشلت المبادرة الخليجية في طرح واقع جديد, ومع قدوم حكومة الوفاق والإخفاقات المتكررة والمتوالية , وحين وقفت عاجزة عن تلبية الطموحات الوطنية بالتغيير , ومع زيادة حدة التذمر الوطني من اداء ودور الحكومة وتدخلات امريكا المتلاحقة عبر سفارتها في اليمن , والتزامن مع العناد القوي والنافذ للعصبة الحاكمة وعدم التنازل عن مقاليد الحكم في اليمن , تم اظهارها للشارع اليمني بانها قرارات رئاسية شرعية تم التمرد عليها , ومايدار في الخفاء غير ذلك من الاتفاق والتلاحم والتآمر على الشعب التائه في دوامة الاخبار وتناقضات الواقع المرير , ويكاد يجزم ان ورآء الاكمّة ما وراءها من هكذا مبالغات اعلامية زائفة عن التمرد واسباب الخلاف والشقاق بين اركان النظام السابق والجديد بهيكلته ومنظومتة الواحدة , فحين تبنّت بعض الوسائل الاعلامية الترويج لهذا الخلاف والتمرد المزعوم قوبل بالنقض من وسائل اعلامية وصحفيه اخرى , وضعت اليمن مجددا فوق صفيح ساخن من التناقضات الاعلامية الصارخة وعدم المصداقيه , حينها لم يظهر للعلن الرئيس هادي – مثلا- ليهدد ويتوعد ويزمجر في وجة علي صالح والاسرة الحاكمة , على العكس من ذلك طغت الاخبار واللقاءات الحميمة بالودّ والعرفان واثبات ان دور الأمس يكمله حكام اليوم بصور جديدة مختلفة.

إذن الربط في سير مسارات العملية السياسية العربيه والأحداث في شبة الجزيرة العربيه والخليج كصورة متكاملة , وربط الاحداث وتداعياتها وتسلسل وقوعها الزمني والإنشائي بصور متوازية وبخطوط عرض أفقية و رأسية تحوي جميع محاور الدول وتضعها في مساحة ودائرة واحدة ومتكاملة من التأثير والتأثر , مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجيوسياسية والأنثروبولجية الحيوية لتلك الدول , يضعنا امام رؤية وصورة كلية ومتكاملة عن الاحداث في طرح السياسات البديلة في حال فشل السياسات القائمة والمتبعة في اليمن والمنطقة ككل , وصرف الانظار عن المطالب الحقيقية بالتغيير والبحث عن واقع افضل , ودائما كان التحالف القائم بين القاعدة وامريكا والاسرة الحاكمة بلعب دور ثالثة الاثافي في اليمن, ساهمت بصورة مباشرة في وأد احلام وآمال التغيير, فالقاعدة عملياً وليدة امريكا , والأسرة الحاكمة ممثلة بالرئيس السابق وابناءة ومقربية تمثل الابن المدلل والطائع للحاكم الامريكي وسياساته في اليمن , لن تستغني عنهم الادارة الامريكية ببساطة خاصة بعد التدريبات الدراماتيكية والعملية والنافذة في تأسيس قوات الحرس الجمهوري وقوات الامن المركزي , التي اثبتت مع الأيام عدم الوطنية والولاء للارض والانسان اليمني , وساهمت في شدّ دعائم الحكم الامريكي في اليمن عبر هذا النظام ,الذي لن تجد امريكا بديلا خيرا منه , في الوفاء والاذعان المطلق والطاعة العمياء للأوامرالأمريكية , وفتح الباب على مصراعية امام القوات الأمريكية والتدخل المباشر وتسيير الامور السياسية في المنطقة , وهذا ما يفسر التمسك الخليجي الامريكي القوي والمبالغ فيه بالرئيس السابق ونظامة كاملا في الحكم وتوفير الحصانات والضمانات التي لم ينالها قبله اي رئيس او حاكم في انتفاضة الربيع العربي , فالوفاء لا يبادل الا بالوفاء في نظام المصالح السياسية المتبادلة , في حال استمرار وتبني مبادئ الولاء وارتهان الوطن كليا للخارج , والتنازل المفرط عن القيم السيادية والاستقلالية والثوابت الوطنية , فالسعودية والخليج وامريكا لن تجد افضل من شخص الرئيس السابق واركان نظامة في حفظ الاستراتيجيات السابقة والمضي بها قدما الى حيز التطبيق والتحقيق الكامل.

إذن الملفات الساخنة مجتمعة في الجزر الاماراتية المتنازع عليها مع ايران , وتوترات القاعدة المتنامية في اليمن تضع المنطقة امام نفوذ امريكي مسيطر وجاثم على صدر الخليج العربي , وتخدم توجهاته في نشر قواته بذرائع ودعاوى مختلفة , حفاظا على مصالح وأمن اسرائيل ومنابع النفط , مقابل إنهاك دول المنطقة بالخلافات والصراعات المتتالية , لتثبيت النفوذ والوجود الامريكي في المنطقة بخطط مدروسة وفاعلية اكثر, فلاوقت هنا للانتظار حتى قدوم حكومة جديدة موالية للعم سام , ولا حاجة للمكوث لسنوات طويلة وصرف الأموال الباهظة لتأسيس جيوش موالية لأمريكا , فالمنطقة ملتهبة ومليئة بالاحداث المتسارعة, وموقع اليمن الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب والمحيط امتدادا الى المداخل الرئيسية لقناة السويس والبحرر الاحمر يمثل موقعا استراتيجيا هاما في حال اندلاع مواجهات مع ايران , وممرا بحريا واستراتيجيا رئيسيا لتبحر فيه الاساطيل الحربية الامريكية والاجنبية بحرية مطلقة , وتحافظ على مسير امدادات النفط من وإلى الغرب وامريكا , ويؤهل اليمن مستقبلا للعب دور فعّال في إحكام القبضة الامريكية على الخليج وايران معا, مع الإيذان بقرع طبول حرب خفية غير معلنة لن تكون اليمن بعيدة عن مدى تأثيراتها وتداعياتها , لن تجازف امريكا هكذا ببساطه في التسليم للخيارات الشعبية الثائرة و تسليم مقاليد الحكم الى ارادات وطنية شعبيه قوية وجسورة قد تنهى حلم الوجود الامريكي والحكم السعودي معا , وتفرض استراتيجيات وآليات جديدة في المنطقة تلبي بصورة او بأخرى طموحات الشعوب وتطلعاتها المستقلة , وهذا ما نراه واضحا في الدولة المصرية حين نجحت الثورة نجاحا مطلقاً في إسقاط النظام الحاكم ولكنها لم تنجح في خلق قيادات وليدة وطنية نزيهه قادرة على الحكم , هنا على مفترق الطرق السياسية المصريه تدخلت السياسة التآمرية الصهيوينية الامريكية وعبر أياديها في المنطقة للتلاعب بمصير أم الدنيا والعبث بمسيرتها التغييرية , وتأجيل الحسم الثوري المطلق كليا , وتأخير قطف ثمار الثورة المصرية , وبذا تشبّث حكم المجلس العسكري في مصر بمقاليد الامور الى أجل غير مسمى , ربما حتى تأتي قيادة مصريه جديدة تدين بالولاء المطلق والطاعة العمياء لامريكا واسرائيل , وحينها فقط اصبحت امريكا قادرة بإيديولوجياتها المتنفذة على حفظ الأمن الاسرائيلي على المدى البعيد , واليمن ليست بمنأى عن خط الاحداث المتسارعة وتصاعد حمّى النسب السياسية المئوية , من مناطق ملتهبة إلى ساخنه إلى اخرى تنتظر دورها في التصعيد والإشراك في دائرة العملية التصعيدية للادارة الامريكية لكسب مزيداً من الوقت وسقوط عدد كبير من الضحايا والدول وخلق بؤر صراعات جديدة بأهداف قوية ومجتمعة تضرب في عمق الأمّة الإسلامية , اذا لم نتلافها بتوحد وقدرة استيعابيه وإدراكية قوية , سنقع في فخ وحبال السياسات التآمرية الأمريكية وانظمتها العميلة في المنطقة , وربما الى أجل غير مسمى ..