السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٢١ مساءً

سينخسف القمر والوطن خلال شهر فلا تنزعجوا

محمد بشير
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
إنها محــطة فارقة في تاريخ الوطن العربي الحديث فلا تنزعجوا !! والذي يبدو أن السودان لن ينعم بالراحة على العكس فقد أعلن البشير أن أبيبي ستظل شمالية وعلى الحركة الشعبية أن تستعد لذلك ، وبدأت الحرب فعليا بعد ذلك ..

لا تنزعجوا سيخسف القمر مساء يوم الأربعاء 13 رجب 1432هـ الموافق 15 يونيو 2011م ولا تنزعجوا واذكروا الله كثيرا ؟! ولا تقولوا : كيف ينخسف القمر في ليلة 14وليس في ليلة النصف من الشهر فذلك عند الفلكيين ممكن حسب تولد الهلال ولا إشكال في صنع الله الذي أتقن كل شيء فلا تزعجوا واذكروا الله كثيرا !!؟

وسيشاهد الخسوف في كل الوطن العربي فلا تزعجوا واذكروا الله كثيرا ، سيبدأ الخسوف الجزئي عندنا في تمام الساعة 9:21 مساء ، ويبلغ الخسوف الكلي ذروته الساعة 10:22 مساء ، وتكون نهاية الخسوف الكلي الساعة 10:6 بعد منتصف الليل ، ويكون تمام الانجلاء الساعة 1:6 صباحا .

يحدث كل ذلك في وقت ينفرط عقد السودان خلال شهر يوليو القادم على مشهد ومسمع ومرأى من العرب جميعا فلم ينزعجوا ، فالجنوب الذي يمثل 25% من مساحة السودان الإجمالية ربع المساحة ، ويسكنه 21% من سكان السودان ، 8.5 مليون نسمة ، فيهم اثنين مليون مسلم 33.4% مسلمين وأقلية نصارى نسبتها حوالي 15% لكن بسبب ثقافة الكراهية التي غذتهم بها الكنيسة فبعضهم يحمل أحقاداً وضغائن على المسلمين ، فسلفاكير وباقان زعماء الانفصال الجنوبي تربوا وتدربوا في كوبا على إحداث الشغب والفوضى والقلاقل ، والبقية من سكان الجنوب وهم الأغلبية وثنيين ، نسبة الفقر بينهم 90% ولا طرق ممهدة أو مستشفيات ، هذا الجنوب سيصبح دولة مستقلة تناشد العرب والأفارقة بالاعتراف بها ، وربما سبقتهم دولة الكيان الصهيوني بإقامة سفارة لها في جوبا عاصمة الجنوب .

سار التصويت لصالح الانفصال سيرا حثيثا لأسباب من أهمها :

1) تواطأ الشماليون الانفصاليون أو الأغلبية السودانية الصامتة الذين أسسوا منبر السلام العادل ، يقودهم المهندس الطيب مصطفى خال رئيس الجمهورية ، تدعو وبقوة إلى انفصال الجنوب كي يرتاح الشمال الذي ما ذاق طعم الراحة منذ رحيل الاستعمار في أغسطس 1955م ، وللمنبر صحيفة يومية ( الانتباهة) شعارها : صوت الأغلبية الصامتة ، توزع منها يوميا 90 ألف نسخة فهي الأولى في السودان .

أعلن رئيس المنبر أنهم سيقيمون احتفالا كبيرا ابتهاجا بالانفصال فكانت النتيجة أن مفوضية استفتاء جنوب السودان أعلنت في 16 فبراير 2011م أن النتائج الأولية أظهرت أن نحو 99% من الناخبين اختاروا الانفصال بعد فرز 98.7% من الأصوات .

2) واستغرب الكاتب الانجليزي (سايمون تسدال) في مقابلة مع صحيفة (ذا جارديان) أن البشير (رئيس جمهورية السودان) أربك منتقديه ولا سيما أنه : لا يقف عائقا أمام التصويت ، أو يمنع عملية التسجيل ، ولم ينخرط في ترويع الجنوبيين ، ويتصرف بعقلانية .. ( إنه) تصرف يثير الإعجاب !؟

3) لقد صدق لوثر كينج حين قال : المصيبة ليست في ظلم الأشرار ، ولكن في صمت الأخيار ..

4) إعلان الرئيس السوداني البشير في ولاية الغضاريف شرق السودان عن عزمه تطبيق الشريعة الإسلامية كاملة ، وأنه ليس لديه استعداد لأي تنازل لشراء الوحدة مقابل الشريعة ، فالسودان سيعتمد دستورا إسلاميا إذا انفصل الجنوب وسيكون الإسلام الدين الرسمي للدولة واللغة العربية هي اللغة الرسمية .

5) والنظام العربي كله ساهم في تفتيت أكبر بلد عربي مساحةً ، حيث غاب الموقف العربي تقريبا عن مساندة وحدة السودان ، وترك هذا البلد وحيدا فريسة المؤامرات الصهيونية الصليبية التي استهدفت أرضه وثرواته ، ومحاولة تركيعه ، ساهم النظام العربي في الحصار الاقتصادي الذي فرضته أمريكا على الشعب السوداني منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ، ودعمت بعض دوله مع بعض الأحزاب الشمالية جون قرنق في حرب استنزافه الظالمة ، وترك السودان وحده يواجه تلك الحرب .

6) وأسهمت مصر حسني مبارك أيضا في سقوط الجنوب وانفصاله ، وذلك عندما أنشأت قنصلية في جوبا فور توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير2005م ، فذلك مما كرس معالم الانفصال ، ترى هل يحفظ الجنوب لها هذا الجميل ؟!

7) والقراصنة الصوماليين استولوا على سفينة أوكرانية في سبتمبر 2008م كانت تحمل شحنة أسلحة ودبابات (67 دبابة طراز ت/72) تم الاستيلاء عليها وكانت مرسلة إلى جنوب السودان ، علمت بذلك حكومة جورج بوش في أمريكا فلم تحرك ساكنا ، في حينها أعلنت حكومة كينيا أن الشحنة مرسلة إلى جيشها الكيني ، لكن وثائق موقع (أوكيليكس) صدَّقت القراصنة ، وكذبن ما قاله مسئولين كينيين أوكرانيين قالت : بأن هذه التصريحات محض كذب ، وأن هذه الشحنة السرية هي الأخيرة من عدة شحنات ؟! . ومر الأمر كأنه لا يعني أحدا .

8) كل ذلك أدى إلى السكوت عن ما شابت عملية التصويت الذي انتهى بتاريخ 15 يناير 2011م من تجاوزات وخر وقات أكدها مراقبون دوليون (من منظمة مواطني العالم) في مؤتمر صحفي عقدته بالخرطوم صباح يوم الأحد 16 يناير 2011م ، وأكدوا أن هذه التجاوزات ومنها : التهديد ضد الناخبين ، وتوجيه مسئولي الاقتراع الناخب إلى الخيار الذي يريدونه ، واستمرار حملة الدعاية للانفصال أثناء الاقتراع ، ومنع مراقبيها من الاطلاع على كشوفات الناخبين في بعض المراكز ، وهي مسائل خطيرة تمس مصداقية العملية بكاملها وتؤثر على عملية التصويت برمتها ، ووصفت المنظمة ما قدمته أنه : ملاحظات قبل التقرير النهائي.

تحديات ما بعد الانفصال :

1) ما ذكره الأستاذ راشد الغنوشي من فشل التيار الإسلامي ( وشعار الإسلام هو الحل) من حفاظ على الوحدة الوطنية ، وهو ما استطاع التيار العلماني الحفاظ عليه في العراق والسودان مثال واضح وجلي .

2) سيناريو السودان قابل للتكرار في بلدان عربية عديدة ! فماذا أعددنا لمواجهة هذا الخطر ؟ علما بأن خريطة تمزيق الوطن العربي معلنة ومنشورة في العديد من الصحف العالمية ؟!

3) شرعية حكومة البشير بعد الانفصال ، وهو ما يضعه 17 حزب منهم الأمة والمؤتمر الشعبي والاتحاديين والشيوعيين ، يضع هؤلاء أنه عقب الانفصال تكون الحكومة الحالية قد فقدت شرعيتها ، لكن والحق يقال : فإن معنويات حكومة البشير عالية جداً ومعارضيها لا زالوا في دائرة ضيقة ، فشلوا في تنظيم مسيرات واعتصامات تأييداً لثورة الشباب في تونس ومصر ، حددوا لها يوم العاشر من مارس الماضي في محاولة للاستفادة من طوفان تلك الثورتين لاقتلاع نظام الحكم ، لكنهم قبل يومين من المسيرة والاعتصام دعا بعض قادة المعارضة إلى ندوة تحضيرية لذلك العمل الكبير في دار الحركة الشعبية في العاصمة الخرطوم ، لكن الحضور كان محدوداً كمؤشر فشل واضح مما أفشل النشاط برمته ، فلما نزلوا إلى ميدان (أبو جنيز) وسط العاصمة لم يتجاوز عددهم ثلاثين شخصاً كما تفيد بعض الروايات مما سهَّل على الشرطة اقتيادهم بسهولة إلى مراكز التحقيق ومن ثمّّ إطلاق سراحهم مباشرة ـ ثم كانت لزيارة رئيس الجمهورية البشير للقاهرة المفاجأة كأول رئيس عربي وأفريقي يزورها بعد سقوط نظام حسني مبارك والاستقبال الذي حظي به للتهنئة بنجاح الثورة ومد جسور التعاون بين البلدين قاصمة الظهر للمعارضة ..

4) التغلغل الصهيوني الذي يبدأ بفتح سفارة صهيونية في جوبا بعد الانفصال والسيطرة عبر واجهات شركات أثيوبية أوغندية لسرقة مياه النيل ومصادر الثروة المعدنية ، بل وتحقيق دولة بني صهيون العظمى من النيل إلى الفرات عمليا وواقعيا ، بعد سقوط العراق وجنوب السودان في أيديهم .

5) يرى البعض أن مشروع تفتيت السودان لم ينته بعد فهناك ثلاثة مشاريع صهيونية عالمية في الكواليس :

واحد منها : مشروع فصل الجنوب لاكتمال مشروع دولة البحيرات العظمى .

والثاني : مشروع دولة مملكة (ودأي) التاريخية ، وعمادها الزغاوة التي تشمل درافور وجزء من كردفان .

والثالث : مشروع دولة الشرق ، وإعادة دولة (أكسوم) الأثيوبية وعمادها التقراي الحاكمين في أثيوبيا وإرتريا حاليا

6) حصار مصر من الجنوب - إذ يتوقع المراقبون أن الاستثمار المصري في جنوب السودان قد يُحبط الآمال ، ويدفع القاهرة إلى الندم ، لأن التركيز الغربي الصهيوني الصليبي على الجنوب كبير وعزم الكنيسة العالمية على إقامة دولة أقلية بئيسة في الجنوب كلها ضد المصالح المصرية ، خاصة وأن الجنوب السوداني يرى أن انفصاله تحرر من السطوة الإسلامية والحكم العربي .

فهل سينعم السودان بل والمنطقة كلها بالراحة ويرتاح الشمال بالسلام والهدوء ؟! ومن الذي تخلص من الآخر الشمال الذي اعتبر الانفصال يوم فكاكه وأما الوحدة فهي عجل السامري يتغنى به الأدعياء ، أم الجنوب الذي ستصير أرضه وخيراته نهبة للإنسان الأبيض ، ورجاله ونساؤه خدما للحاخامات ورجال الكنيسة ؟؟!

فنسأل الله العلي القدير مالك الملك الفعَّال لما يريد أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .